الثاني والعشرين من فبراير.. كان يومًا مشهودًا بالنسبة لي ولصديقتي المقربة.. فقد كان سابق يوم عودتها النهائية إلى الوطن وأحببت أن نختم لقاءاتنا بمغامرة جميلة في قرية سياحية مليئة بألعاب الملاهي المثيرة، حتى نفرح ونلعب ونصرخ ونبكي ونودع بعضنا ربما للمرة الأخيرة.. وبعد الاتفاقات والتجهيزات.. اختلف نظام والدها وقرر الذهاب إلى عمرة في هذا اليوم.. وجن جنوننا.. فقد تهيئنا للرحلة.. لكنا لم نصمد.. حاولنا وجاهدنا حتى قدمت العمرة إلى ساعات الصباح الأولى..
في التاسعة صباحًا كانت الحافلة تقطع بنا الطريق أنا وصديقتي ووالدتها متجهين لأداء العمرة.. ويسرها الله لنا.. ودعونا لكم.. ثم خرجنا قبيل الظهر أنا وهي نتأمل في مكة وحتى نودع كل جو كانت لنا فيه ذكريات.. ومغامرات..
بعد التجول وشراء آيسكريم الثلج المجمد من أمام الحرم.. صلينا الظهر ثم مكثنا حتى انطلقنا في طريق العودة..
عدنا حوالي الثالثة.. وكان اتفاقنا أن نكون في الملاهي في الرابعة..
اممممم
أنتم تسألون الآن ما السبب؟؟
ما سبب التعجل؟؟ ولم نذهب في هذا اليوم ونحن عائدتان للتو من مشي عشرة كيلومترات على الأقل؟؟
سأعترف..
في هذا اليوم بالذات.. كان أصدقائنا في المنتدى ذاهبون في رحلة جماعية إلى (دريم بارك) وحيث أنه كان من المستحيل أن نذهب معهم وبيننا سهول وجبال وبحر عريض.. فقد فكرنا أن نذهب نحن إلى ملاهي عندنا ونشعر وكأننا معهم ونكون قد اشتركنا معهم في الرحلة.. بل وأوصيناهم أيضًا أن يحجزوا لنا مقاعد في الألعاب وأن يظهروها في الصور التي تنشر على الموقع بعد نهاية الرحلة..
كان يوم الثلاثاء.. وكانت رحلتهم من الصباح الباكر..
عندنا.. لا تفتح مدينة الألعاب إلا في الرابعة عصرًا.. الثالثة في مصر.. نكون قد لحقنا بعضًا من الألعاب معهم وعرفنا أخبارهم.. إنه حنين لا أكثر..
واجهتنا مشاكل كثيرة..
أولها اعتراض الأهل بحجة أننا متعبون من العمرة..
وثانيها بعد المكان جدًا وتهرب إخوتي من إيصالنا..
بعد شد وجذب وبكاء..
وصلنا هناك في السادسة تمامًا..
حسنًا لا تضحكوا علينا..
نعم..
لا أحد في الملاهي كلها سوانا..
كنت قد ذهبت من قبل بعد المغرب.. وكان يوم عطلة.. أنا وأختي مع عائلة أخي.. وكان يومًا أسطوريًا ورائعًا.. لذلك أسرفت في وصف جماله لصديقتي التي امتلأت نفسها شوقًا لتحقق تخيلاتها.. ولما دخلت ونظرت حولها هتفت بفزع:
هدى؟؟؟ إيه دا؟؟ إنت مدخلاني قبر..؟؟؟
الديكورات كلها على هيئة التراث القديم.. حجرات من القش والبوص.. وأخشاب كلافتات.. ومساحات شاسعة خالية من أي مخلوق.. كنت صامتة أضحك على الحظ وأسمعها تتلفت في خوف وتقول بهمس: (منك لله ، وكنت عايزة تجيبينا من الساعة تلاتة؟؟)..
لم تسعفني أي كلمة في هذا الموقف غير أني أكدت لها أن كل الناس يتوافدون بعد المغرب تمامًا وأننا سنفرح ونلعب ونتسلى..
أكثر ما أحببته في هذه القرية أن غالبية العاملين بها من مصر.. كنت أذكرها بذلك لكي تطمئن.. لأنها كانت قد بدأت في أحاديث مثل (لو أخدونا وقطعونا هنا ولا حد هايحس بينا).. وكان يسعدني قسم كامل لتشعر أنك في مصر في الحسين ومقاهي وشبابيك من خشب.. وفي الداخل دكاكين صغيرة مثل خان الخليلي يبيعون فيها نفس الأشياء..
كادت أن تمسك بي وتقتلني
إنها ستسافر إلى مصر غدًا..
فلم تفرحها أي من تلك المعالم.. بل زادتها حزنًا..
إنها لن تعود هنا مرة أخرى..
سترحل تاركة ورائها ذكرياتها.. مدرستها وجامعتها.. عمرها وتتركني.. ((كان عزاؤنا في التقاط بعض الصور بجانب هذه الآثار.. وهذا المكان الجميل.. القرية الخالية على عروشها.. وبالطبع الصور التي التقطتها غير واضحة.. لسبب بسيط جدًا وهو أنني التي التقطتها بخبرتي القاتلة في كل أنواع التصوير))
آذن المغرب.. وصلينا..
العمال يرقبوننا بدهشة..
لم نكترث.. توجهنا للألعاب..
في البداية دخلنا بيت الرعب.. أقصد بيت الضحك.. لأني كنت أضحك عليها.. فقد رأيته من قبل وأعرف في أي لحظة من اللعبة تخيفك العفاريت فلم أتفاجأ..
شعرنا بالملل ونحن الاثنتين فقط نتجول في الملاهي على كبرها ولا أحد معنا.. اقتربنا من أحد المسئولين وسألناه متى يأتي الناس؟؟
قال لنا بثقة تامة: هناك جروب مكون من 200 شخص قادمون في الساعة الثامنة..
فقررنا أن نذهب إلى أحد المطاعم هناك حتى تأتي الثامنة..
اتصلت بالرحلة أسألها عن أخبارهم فقالت لي أنهم يستعدون للرحيل.. وهذه آخر لعبة يلعبونها الآن: تصادم السيارات..
قلت لها بجنان: انتظروني.. سأذهب للعبها الآن.. كوني على الخط.. أريد أن أشعر أني لعبت معكم..
قلت لصديقتي هيا تعالي معي.. فأخبرتني أنها متعبة وذهبت لوحدي)
لوحدي إلى تصادم السيارات..
هاها ها ها / نعم بالتأكيد.. كنت أصادم نفسي..
على الخط كنت معهم حتى انتهوا من اللعبة وغادروا.. وأنا أقول لهم اطمئنوا.. نحن هنا إلى الساعة الحادية عشر مساءًا سنكمل لكم باقي الألعاب لا تقلقوا.. سينضم لنا 200 إنسان بعد قليل..
وعدت إلى صديقتي فرحة..
انتظرنا حتى بعد العشاء..
لم يأتي أحد..
قررنا اللعب حتى يأتون..
دخلنا إلى (السيمينيشن) وكانت تعرض فيلما لمغامرة في الأهرامات وأبو الهول: (حتى ظنت فيَّ ربما أني ما أتيت بها إلا لأذكرها بسفرها وأقلب عليها المواجع)
بعدها دخلنا إلى لعبة مسدسات بالليزر / نلبس صدري ونمسك بمسدسات ونضرب على بعض ونركض في الممرات.. وضحكنا طبعا وخرجنا مرة أخرى للصمت المطبق.. أو القبر كما تسميه هي))
كنت أريد دائمًا أن أنسيها الواقع بالألعاب التي ذهب كل إغرائها بالصمت..
_ تعالي نركب التصادم يلا (ناديتها بمرح)
_ نركب لوحدنا ؟؟ لا استني ال200 لما ييجوا
_ يا بنتي لما ييجو نركب تاني تعالي بس
_ إزاي اتنين يعني بس يركبو التصادم يعني
_ ههههههههههههه أمال لو شفتيني وأنا راكبة لوحدي تعالي..
اتجهت معي بتردد إلى ساحة التصادم ثم ما لبثت أن نسيت الخوف وسط الضحكات والصخب الذي لفنا به استريو اللعبة.. بقينا حتى أشرنا للرجل أن يكفي.. فقد تعبنا.. صدمتها حتى كسرتها وخرجت تبتسم ببهجة وتهمس لي.. تعالي نركب لعبة المية.. ولا أقولك نستنى الـ 200 أحسن؟ جذبتها من يدها قبل أن تتردد وقلت لها : لا أستطيع إن لم أركبها الآن سأبكي.. وسارت ورائي جذلة متخوفة..
كان من المفترض أن تطلع بنا العربة إلى ارتفاع فظيع ثم تقذفنا بسرعة جنونية إلى الماء.. كدت أن أجن من الضحك وهي تقول للعامل: لو سمحت لو قلنالك وقف وقف / أين نقف في السماء لا أدري
انطلقت اللعبة صاعدة بنا ذلك الارتفاع ولم أستطع أن دموعي التي تنهمر من شدة الضحك وهي متشبثة بكلتا يدها وتتهمني بالجنون لأني صعدت بها إلى هنا فهي تخاف من المرتفعات.. لكن بعد أقل من دقيقة تحولت الضحكات إلى صرخة قوية فقد هوينا إلى الماء بسرعة وعادت المركبة لصعد ارتفاعًا أعلى من الأول بمراحل وتسقط في بحيرة أكبر لنخرج ولم تعد هناك نقطة جافة في ملابسنا.. بعد الضحكات والصرخات ومسلسل الرعب وجدتها تقترب مني بعد أن نزلنا وتقول بدلال: هاركبها تاني لما يجو الـ200 بئى))))
آه ,, كم أحبها ،، وكم اشتقت لها..
لن أطيل عليكم فالنهاية كوميديا سوداء.. سألنا مسئولاً بالصدفة عن ال200 فظهر أنه مدير الملاهي وقال لنا ما الذي أتى بكم في هذا اليوم لقد ظلمتم وعرض علينا لعبة ركبناها لا تفعل أي شيء سوى أنها تدووووووور حد الجنون.. ثم بعد خروجنا وجدناه ينتظرنا متسائلاً بفرح: حسيتو بغثيان؟)
ماذا عن ال200؟؟ إنهم وفد من السفارة دبلوماسيين وسيتجهون إلى المطعم لارتباطهم بعشاء عمل ، وأضاف .. لكنهم طبعا لو شافو الملاهي هيلعبو علطول / دول 200 شاب.. نعم؟؟؟
200 شاب مرة وحدة
وإحنا بنتين
طيب طيب يا عمو
كنت أشعر بقرصات صديقتي إلى جانبي ومعنى نظراتها : (منك لله هيا لنهرب من هنا)
خصوصًا عندما قال قبل أن تغادروا مرو علي حتى أعطيكم بطاقتي وعنواني في مصر))
وكانت تحب دائمًا لعبة السفينة التي ترتفع عاليا في الهواء وأنا أخاف منها.. ومع أول ارتفاعة لها صرخت رغمًا عني فقد شعرت بأني سأموت) عادي جدًا.. أوقفوا اللعبة وبدأت هي في تأنيبي على الصراخ في هذا القفر والأنظار حولنا..
ساد جو من الكآبة والصمت علينا بعد ذلك..
جاء أخي وأختي لاصطحابنا.. وركبنا في صمت..
تساءلت أختي بمرح: انبستطوا؟؟
لا أحد يجيب
سأل أخي: هو مفيش حد غيركم ولا إيه؟؟ فين السيارات؟؟
قلت له: السيارات حولوها انهردة تركن قدام المطعم
وانتهت الرحلة
في اليوم التالي.. الحزين..
وبعد وصولها إلى مطار القاهرة..
اتصلت بي في لهفة ضاحكة:
هدى هدى / تخيلي مين كان معانا في الطيارة؟؟
_ مين يعني؟؟
_ والله والله ما بكدب
الجروب ال200
واقرأ أيضاً:
يوميات هدى: وحيدة.. / يوميات سحابة: التغيير