قلت في يوميات سابقة أن أمريكا جاءت أو بدأت، استفادة من 11 سبتمبر، في تحريك ملفات كانت جاهزة تنتظر الفرصة، ونشر أجندات مختلفة مما كان سائدا في العالم قبل 11سبتمبر"، والحقيقة أن جزءا من المعركة بالتالي، إن لم يكن كلها، يدور أساسا في العقول والأدمغة: على التصورات والإدراكات والخطط والأهداف والمفاهيم والتقديرات، إنها حرب أجندات وأفكار وتصورات ونحن خيالنا معتل، وقدرتنا على التحليل معيوبة، ومستوردة أحيانا في أدواتها، ومعلوماتها، بل ونتائجها!!! وهذا أول طريق الهزيمة.
ومن معالم المرحلة أن كل من هب ودب، كل من له لسان ينطق، أو قدمان تسيران على الأرض، صار ينطق ويخوض في الشأن العام، في مصر مثلا تملأ الأسواق صحف عجيبة ليست صفراء بالمعنى المهني للكلمة، بل هي تصنيف جديد أسوأ، وتكتب فيها أقلام لها مصلحة بالشأن العام إلا كمتفرجين عاديين فلا خلفية علم، ولا معلومات، ولا معرفة، ولا تخصص، ولا تكوين!!! والقنوات الفضائية فيها مثل ذلك.
هذا زمن "الرويبضة" حيث ينطق ويخوض كل تافه في الأمور الكبرى، والناس تسحرها الشاشة، ويخدعها الميكروفون، وتحترم من يرتدي البدلة، ولو كان حمارا!!! والنتيجة: تخبط ومزيد من البلبلة وما يحدث ملتبس أصلا، ويدع الحليم حيران، فكيف بزيادة جرعة التشويش؟!!
وهذه الحالة من "التوهان" والفوضى والسيولة هي "عز الطلب" بالنسبة لأمريكا وإسرائيل وحلفاؤها، وفي ظل الإحباط السياسي السائد، والطموحات السلطوية والمذهبية والطائفية لدى بعض الأفراد والجماعات نصبح أمام "سيرك" حقيقي جعلني لا أستغرب أن أرى العبارة التالية مكتوبة في أكثر من مكان، وعلى أكثر من جدار: "محدش فاهم حاجة"
وهذه البلبلة تعني صعوبة تحديد المواقف والأدوار، والحصاد الحاصل يتجلى في انحسار الحركة التي كانت واسعة، ثم غرقت في دوامات، وتم اصطيادها في فخاخ منصوبة بمهارة، ومازال لدى الحواة المزيد!!! وآخر الألعاب البهلوانية ما حدث أمس بصلاة الجمعة بأمريكا حيث اجتمع ما يربو على المائة وخمسين شخصا بدعوة من مجموعات جديدة التكوين في أوساط المسلمين، وكانت المعركة هذه المرة أن تخطب "الجمعة"، وتصلي بهم "إمامة" هي د.أمينة ودود الأستاذة بالجامعة، والكاتبة ضمن مجموعة ما يسمى بالمسلمين التقدميين Progressive Muslim Union.
إمامة المرأة هنا هي مجرد رمز لمرحلة جديدة حاولت هذه المجموعة الدخول فيها بما تتصور أنه مساواة بين الرجل والمرأة، وتأتي هذه الفكرة ضمن عبوة كاملة من "الأفكار" التقدمية جدا التي كما سمعت تتبناها تلك المجموعات، ومنها ما يتعلق بزواج الشواذ ومشروعيته إسلاميا، وبقية العبوة الجنسية الغربية فيما يتعلق بالإجهاض وخلافه، وفي الأمور تفاصيل أرجو أن يراجعها بتدقيق من يهتم بالحديث عن هذه المجموعات حتى لا نكون ممن يلقي الكلام على عواهنه.
ولم تجد هذه الأفكار حتى الآن من يتصدى بجدية لتنفيذها والرد عليها، ربما لأن هناك نوع من الاستخفاف بها وبأصحابها، وربما لأن منطق تفكيرنا ما يزال تجزيئيا ينظر إلى المسائل واحدة واحدة دون الاهتمام بالمشهد كله، أو السياق السائد حول هذه التفاصيل، أو المناخ الذي نعيشه: سياق ومناخ التلاعب بالعقول والأجندات والإجهاز على كل تهديد محتمل، وبخاصة إذا كان قادما من حركة الناس خارج الأطر والمسارات المحددة والمعروفة سلفا!!!
وكالمعتاد والمتوقع غرق الناس في تفاصيل الأمر، فهذا يستنكر ويشتم، وذاك يصرخ مستنجدا بالمشايخ، وذلك يتحسر على ما وصل إليه الحال، وتلك تتساءل كيف ولم لا؟!، وهذه تصيح "زمن النساء قادم"، وأنا أقول: مبروك علينا البلبلة، والانشغال بألعاب البهلوان الأمريكي، "ويا ما في الجراب يا حاوي"... كما يقول المثل العامي المصري.
هل عناك أمل في أن تكون لنا عقول؟! وأجندة مستقلة! وحركة واسعة منتظمة، وجهاد مدني ينطلق من بناء التصورات، ويتسلح بالوعي والدأب فيكون منهاجا في التفكير والممارسة، فلا يعتزل ظننا منه أن التسوية السياسية ستحل قضية فلسطين بجهود السياسيين وحدهم!!، ولا يتورط في مجرد الفرجة على المقاومة المسلحة، والتصفيق لممارسيها، والترحم على شهدائها، ولا يقنع بأدوار جمع التبرعات، والدعاء، وتعليق الملصقات،ولكن يعرف أن هناك ألف خطوة، وألف مبادرة، على الأقل، وملايين من الحلفاء المحتملين بطول العالم وعرضه وهذه أمثلة وعشرات الإمكانيات والأفكار لخدمة قضايانا غير حمل السلاح، وهو ما يقوم به بالفعل آخرون طبقا لحساباتهم هم.
هل يمكن أن نعقل أنه إذا كان القتال، والنضال المسلح من أجل تحرير الأراضي المحتلة فرض كفاية، وسيظل هكذا بطبيعته غالبا، فإن الجهاد المدني المستمر والدءوب والواسع والعميق في الضمائر والمواقف وتفاصيل الحياة اليومية ومجالات النشاط الإعلامي والثقافي والفكري والتربوي والسياسي والاقتصادي والفني، هذا الجهاد المهجور المنبوذ الذي يتكلم عنه البعض بين "الحين" والحين، ويكاد لا يمارسه أحد، هذا الجهاد فرض عين، فرض عين على كل إنسان عاقل عنده ضمير، وفي قلبه ذرة معرفة أو إيمان أو خشية، أو حتى انتماء ووطنية، أو حتى إنسانية بالمعنى البسيط للكلمة!!
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
* الرويبضة: في حديث أشراط الساعة «وأن ينطق الرويبضة في أمر العامة، قيل: وما الرويبضة يا رسول اللّه؟ فقال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة» الرويبضة تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي رَبضَ عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، والتاء فيه للمبالغة. والتافه: الخسيس الحقير.
واقرأ أيضا على مجانين:
على باب الله: أن تكون طبيبا نفسيا/ على باب الله: أمريكا في غرفة النوم/ على باب الله : ذكرى 20 مارس
ومن معالم المرحلة أن كل من هب ودب، كل من له لسان ينطق، أو قدمان تسيران على الأرض، صار ينطق ويخوض في الشأن العام، في مصر مثلا تملأ الأسواق صحف عجيبة ليست صفراء بالمعنى المهني للكلمة، بل هي تصنيف جديد أسوأ، وتكتب فيها أقلام لها مصلحة بالشأن العام إلا كمتفرجين عاديين فلا خلفية علم، ولا معلومات، ولا معرفة، ولا تخصص، ولا تكوين!!! والقنوات الفضائية فيها مثل ذلك.
هذا زمن "الرويبضة" حيث ينطق ويخوض كل تافه في الأمور الكبرى، والناس تسحرها الشاشة، ويخدعها الميكروفون، وتحترم من يرتدي البدلة، ولو كان حمارا!!! والنتيجة: تخبط ومزيد من البلبلة وما يحدث ملتبس أصلا، ويدع الحليم حيران، فكيف بزيادة جرعة التشويش؟!!
وهذه الحالة من "التوهان" والفوضى والسيولة هي "عز الطلب" بالنسبة لأمريكا وإسرائيل وحلفاؤها، وفي ظل الإحباط السياسي السائد، والطموحات السلطوية والمذهبية والطائفية لدى بعض الأفراد والجماعات نصبح أمام "سيرك" حقيقي جعلني لا أستغرب أن أرى العبارة التالية مكتوبة في أكثر من مكان، وعلى أكثر من جدار: "محدش فاهم حاجة"
وهذه البلبلة تعني صعوبة تحديد المواقف والأدوار، والحصاد الحاصل يتجلى في انحسار الحركة التي كانت واسعة، ثم غرقت في دوامات، وتم اصطيادها في فخاخ منصوبة بمهارة، ومازال لدى الحواة المزيد!!! وآخر الألعاب البهلوانية ما حدث أمس بصلاة الجمعة بأمريكا حيث اجتمع ما يربو على المائة وخمسين شخصا بدعوة من مجموعات جديدة التكوين في أوساط المسلمين، وكانت المعركة هذه المرة أن تخطب "الجمعة"، وتصلي بهم "إمامة" هي د.أمينة ودود الأستاذة بالجامعة، والكاتبة ضمن مجموعة ما يسمى بالمسلمين التقدميين Progressive Muslim Union.
إمامة المرأة هنا هي مجرد رمز لمرحلة جديدة حاولت هذه المجموعة الدخول فيها بما تتصور أنه مساواة بين الرجل والمرأة، وتأتي هذه الفكرة ضمن عبوة كاملة من "الأفكار" التقدمية جدا التي كما سمعت تتبناها تلك المجموعات، ومنها ما يتعلق بزواج الشواذ ومشروعيته إسلاميا، وبقية العبوة الجنسية الغربية فيما يتعلق بالإجهاض وخلافه، وفي الأمور تفاصيل أرجو أن يراجعها بتدقيق من يهتم بالحديث عن هذه المجموعات حتى لا نكون ممن يلقي الكلام على عواهنه.
ولم تجد هذه الأفكار حتى الآن من يتصدى بجدية لتنفيذها والرد عليها، ربما لأن هناك نوع من الاستخفاف بها وبأصحابها، وربما لأن منطق تفكيرنا ما يزال تجزيئيا ينظر إلى المسائل واحدة واحدة دون الاهتمام بالمشهد كله، أو السياق السائد حول هذه التفاصيل، أو المناخ الذي نعيشه: سياق ومناخ التلاعب بالعقول والأجندات والإجهاز على كل تهديد محتمل، وبخاصة إذا كان قادما من حركة الناس خارج الأطر والمسارات المحددة والمعروفة سلفا!!!
وكالمعتاد والمتوقع غرق الناس في تفاصيل الأمر، فهذا يستنكر ويشتم، وذاك يصرخ مستنجدا بالمشايخ، وذلك يتحسر على ما وصل إليه الحال، وتلك تتساءل كيف ولم لا؟!، وهذه تصيح "زمن النساء قادم"، وأنا أقول: مبروك علينا البلبلة، والانشغال بألعاب البهلوان الأمريكي، "ويا ما في الجراب يا حاوي"... كما يقول المثل العامي المصري.
هل عناك أمل في أن تكون لنا عقول؟! وأجندة مستقلة! وحركة واسعة منتظمة، وجهاد مدني ينطلق من بناء التصورات، ويتسلح بالوعي والدأب فيكون منهاجا في التفكير والممارسة، فلا يعتزل ظننا منه أن التسوية السياسية ستحل قضية فلسطين بجهود السياسيين وحدهم!!، ولا يتورط في مجرد الفرجة على المقاومة المسلحة، والتصفيق لممارسيها، والترحم على شهدائها، ولا يقنع بأدوار جمع التبرعات، والدعاء، وتعليق الملصقات،ولكن يعرف أن هناك ألف خطوة، وألف مبادرة، على الأقل، وملايين من الحلفاء المحتملين بطول العالم وعرضه وهذه أمثلة وعشرات الإمكانيات والأفكار لخدمة قضايانا غير حمل السلاح، وهو ما يقوم به بالفعل آخرون طبقا لحساباتهم هم.
هل يمكن أن نعقل أنه إذا كان القتال، والنضال المسلح من أجل تحرير الأراضي المحتلة فرض كفاية، وسيظل هكذا بطبيعته غالبا، فإن الجهاد المدني المستمر والدءوب والواسع والعميق في الضمائر والمواقف وتفاصيل الحياة اليومية ومجالات النشاط الإعلامي والثقافي والفكري والتربوي والسياسي والاقتصادي والفني، هذا الجهاد المهجور المنبوذ الذي يتكلم عنه البعض بين "الحين" والحين، ويكاد لا يمارسه أحد، هذا الجهاد فرض عين، فرض عين على كل إنسان عاقل عنده ضمير، وفي قلبه ذرة معرفة أو إيمان أو خشية، أو حتى انتماء ووطنية، أو حتى إنسانية بالمعنى البسيط للكلمة!!
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
* الرويبضة: في حديث أشراط الساعة «وأن ينطق الرويبضة في أمر العامة، قيل: وما الرويبضة يا رسول اللّه؟ فقال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة» الرويبضة تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي رَبضَ عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، والتاء فيه للمبالغة. والتافه: الخسيس الحقير.
واقرأ أيضا على مجانين:
على باب الله: أن تكون طبيبا نفسيا/ على باب الله: أمريكا في غرفة النوم/ على باب الله : ذكرى 20 مارس