حكايات صفية: المكلا .. لمحات إنسانية (3)
(سيئة للغاية)..
هذا هو تعليق والدي- حفظه الله - على الجزء الثالث من هذه اللمحات إذ أنه قرأ في سطور المقالة تحاملا شديدا على محافظة الحضارمة على أعراضهم بالقيود الصارمة التي فرضوها على العلاقة بين الجنسين، وما ذكرته عن طبيعة علاقة الفتاة غير المتزوجة بالمجتمع السنوي والذي تجعلها تعيش في ظل قانون طوارئ لا تختص أحكامه إلا بها..
قال: بينما تحدثت بلهجة شديدة الرقة عن تلك الفتاة التي خالفت الشرع والعرف بانفرادها بزميلها في الجامعة في ساعة مبكرة.. من يقرأ المقالة يظن أنك تشجعين العلاقات المنفتحة لا سيما ما ذكرته عن الحال في جدة..
صديقة لي –من اليمن- كان لها تعليق آخر:
أعجبني تجسيدك للواقع كما هو دون مواربة.. كيف تجرأت على ذلك.... نحتاج إلى مثل هذه الكتابات لكي نضع أيدينا على مواطن الخلل جميعها، ومن ثم نحسن إصلاحها وفقا للشرع الحكيم..
وقالت أخرى –من مصر:
المقالة تحاول أن تقدم قراءة حيادية لما يحدث.. أتصور ما يجري في اليمن هو يمننة الإسلام لا أسلمة اليمن!
إذن فقد تعددت القراءات للمقالة.. وقديما قال لي والدي حفظه الله : من كتب فقد استهدف.. وأوصاني بتقوى الله فيما أكتب، وأن أتقبل النقد بعد ذلك بصدر رحب..
بين التحرير والتنوير..
أذكر أني لما كنت أبحث في (حدود طاعة الزوج)، وهو موضوع بحث التخرج، أردت به تحرير هذه المسألة التي غالبا ما تطرح وفقا لنصوص مطلقة تحث على طاعة الزوج وتتخذ حجة من قبل ضعاف النفوس والأخلاق ليؤذوا بها الزوجة تسلطا وتبجحا بحقوق متوهمة، رسخها بعض الطرح الوعظي المفتقر لروح الفقه في دين الله، وكان من ضمن المسائل التي وقفت عندها ما ذكره بعض الفقهاء من أن الفتاة الشابة ليس لها الخروج إلى المساجد لصلاة الجماعة لئلا تفتن الرجال، حملت هذه المسألة إلى شيخ مشايخي الشيخ محمد الشنقيطي- فقال:رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن منع النساء عن مساجد الله دون تفريق بين الشابة وغيرها، وهذا هو الراجح عندي أو كما قال، وهو كأنه في ذلك يذهب إلى ما قرره بعض المالكية من أنه ليس للزوج منع الزوجة من كل ما فيه بر وطاعة، والمسألة لها ضوابطها التي لا تخل بكيان الأسرة، وليس هذا موضع بسطها..
كان فقها لحقوق المرأة، وضوابط العلاقة بين الجنسين يتشكل لدي أيامها، ثم إني وقع بين يدي الجزء الثاني أو الثالث من كتاب (تحرير المرأة في عصر الرسالة)، فوجئت بالطرح التأصيلي، والنظرة الفقهية التي توائم بين الأحكام وسياقاتها بتمكن إذ كانت ضوابط العلاقة بين الجنسين تتشكل أطرها في عقلي وفقا للنصوص الشرعية، والأحكام الفقهية وعللها في الأبواب المتعددة، وقد اقترب هذا التشكل من الرؤية التي طرحها الشيخ عبدا لحليم أبو شقة في الكتاب المذكور، سألت بعض مشايخي –في جامعة الأحقاف- عن الكتاب فقال: كتاب ممتاز.. شيخي في الفقه –في جدة- لم تكن قد اطلعت على الكتاب.. فلما ذكرت لها بعض مسائله، والتي سبق أن ناقشتها قبلا معها، قالت لي: الحمد لله أن وجد مثل هذا الكتاب المحرر، وأسأل الله أن ينفع به..
والذي أدين لله به أن عصرنا هذا، عصر العولمة والانفتاح الثقافي، لا يصلح له النحو الفقهي المتشدد، وإن كان هو الأكثر ورعا إذا نظرنا إليه دون ما يطيف به من أحوال، أما بالنظر إليها، فلا بد لنا من فقه لا يهمل هذه الأحوال إذ تيسرت وسائل الاتصال بشكل مخيف في ظل ثقافة مضادة لقيمنا وديننا تصدرها قنوات إعلامية متنوعة ، بعضها فاسد ومنحل بشكل مطلق، وبعضها يؤطر لقيم فيها نوع محافظة لكنها تتعارض مع الضوابط والأحكام الإسلامية..
لقد أردت أن يكون حديثي عن العلاقة بين الجنسين في حضرموت بيانا لواقع قائم لا ينفع تجاهله لا لنكتفي بجلد أصحاب الممارسات الخاطئة بسوط الكلمة، فإن ذلك لا يجدي نفعا غالبا – في تقديري – ولعل واقع التجربة في جدة والذي ألمحت إليه في مقالتي السابقة أصدق برهان على أن التشدد في غير موضعه له عواقبه الوخيمة.
إن الإصلاح الذي نحن مأمورون بالسعي إليه، يبدأ – في تقديري- من أخذ الأمور بقوة تضبطها الحكمة ويزينها الرفق وقد قال تعالى: ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (النحل : 125 ))).. دراسةُُُ ُ منصفة ترجع الظواهر إلى عللها، وتبين عواقب العادات المخالفة للشرع نصا ومقصدا، وأثرها في التجاوزات الشرعية في العلاقة بين الجنسين كما هو ظاهر تصرف تلك الفتاة في (الركن المنزوي)الذي حدثتكم عنه في المقالة السابقة..
وإذا كانت الصورة العامة للمجتمع المكلاوي في المدرسة والجامعة والعمل بل والسوق هي أقرب –في تقديري– لروح الإسلام من أي مجتمع آخر، إذ تغلب الضوابط الدينية والأخلاقية في هذا المجتمع المحافظ أصالة، فإنه لا زالت هناك خطوات كثيرة لا بد أن يخطوها هذا المجتمع ولديه من الكوادر المتميزة علما وخلقا وهمة ما يجعله مؤهلا لإصلاح شامل وفقا لمنهج الله عز وجل تبرز معه خصوصية المجتمع اليمني، الذي أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله بقوله: "الإيمان يمان والحكمة يمانية"..
والله من وراء القصد..
بقلم : صفية الجفري
حرر في يوم الأحد :
17/2/1426هـ
27/3/2005م
ويتبع >>>>: حكايات صفية : المكلا .. لمحات إنسانية (5)
*اقرأ أيضاً:
حكايات صفية : التسامح .. فضيلة المتناقضات / حكايات صفية : تفاصيل صغيرة