أن تكون طبيبا نفسيا–
أعود للبيت كل ليلة بعد انتهاء العمل بالعيادة.
أشعر بجمال الليل، ولكن جميع من في البيت نيام!!!
أبحث عمن أتحدث معه... أحتاج إلى ذلك... أنا أيضا أحتاج.
مأزق هذا التخصص متعدد المستويات، ومتشابك الخيوط:
تحتاج إلى تركيز أكثر بكثير، وإلى حساسية أعلى في كل كلمة وتصرف، وتظل تعطي من أعصابك طوال العمل، ثم تحتاج لمن يعطيك ما يحتاجه كل إنسان،وحين تجد من تنتظره ينتظرك... يحتاجك...
وأنت قد نفذ ما لديك، فماذا أنت صانع؟!!!
مأزق هذا التخصص أن الناس تنتظر منك أكثر من أي إنسان، وتتوقع منك أعلى وأفضل من الجميع، وتعتمد عليك، وترتقب، وتطلب وتلجأ.
يعتقدون أنك ما تقول، وترشد، وتنصح، وتكتب، وتحل المشكلات، ويفضلون الظن على الحقيقة، ويبنون على الظنون نتائجَ نهائية:
أنك بلا مشاكل، وبلا احتياجات، وربما بلا عيوب!!!
وربما يتداولون هذه الصورة، وقد يحسدونك عليها، لأنهم يريدون أن يشعروا بالثقة والأمان، يريدونك قويا نافذا تعلم ما لا يعلمون، وتستطيع وتقدر حين يعجزون، وتكون جاهزا مستعدا حين يحتاجون أو يضعفون أو يطلبون.
ورغم أنه قد برزت تصورات كثيرة لصيغة العلاقة بين المريض والطبيب النفسي تهدف للتخفيف من وطأة هذا الوضع الذي يعيق الشفاء أحيانا!!!
إلا أن صورة الطبيب النفساني ظلت تقريبا كما هي في أذهان الأغلبية، فما من أحد يعرف عملي حتى يسألني عن نتائج تحليلي لشخصيته بعد دقائق من أول لقاء لنا!!!
وما من سائل إلا ويتوقع جوابا، ولو لم يكتب لنا إلا بضعة سطور عن مشكلاته!!! والكل يعتمد على علمك وخبرتك وتخصصك أنك تعلم ما لا يعلم، وتستطيع ما لا يستطيع، لهذا ربما عارض أبي اختياري لهذا التخصص ربما كان يشفق علي من هذا كله، وربما أراد أن أبتعد عن هذه الدائرة فأعيش حياتي بشكل أهدأ، وأسعد بالعيش، وأكون أقدر على إسعاد من حولي، أن أكون نفسي ولنفسي ولأهلي، أكثر من أن أكون للناس الأبعد أن أعيش بلا فجوة بين الطبيب والإنسان، وأن أحصل على ما أحتاج حين يكون قليلا، وفي المتناول، وأن يفيض ما لدي فأمنح من ينتظرونه وزيادة.
ربما أحس بهذا كله... وأراد قوله،أو قاله بالفعل حين رفض هذا التخصص، وربما كنت أبحث عن أشياء أخري غير الراحة والسعادة والحياة الهادئة.
قال لي أستاذي في بدايات التخصص أن الذي يدخل هذا المجال إما غبي أو نبي أو طامح إلى مال أو شهرة، فأيهم أنت؟!!
وأنا ما زلت أتمنى أن أكون الرابع: مجرد إنسان على باب الله يريد أن يساعد غيره.
واقرأ أيضا على مجانين:
على باب الله : الجمعة 25/3/2005 مؤتمر القاهرة/ على باب الله: يوم اليتيم – الجمعة – 1 أبريل/ على باب الله: السبت 9/4/ 2005 .. تفجير الأزهر/ على باب الله أن تكون رجلا السبت /6/4/2005