في أول حديث صحفي أدلي به في حياتي سألتني الصحفية الشابة التي لا أتذكر للأسف اسمها الآن والتي أجبتها بكل براءة الحالمين... أن أكون في عقل وقلب كل مستمع.
كنت وقتها مذيعة هواء بالبرنامج العام أتنقل بين نوبات العمل على مدى أربع وعشرين ساعة وقبل أول رمضان يمر علي في الإذاعة قررت أن أتصدى لتقديم أول برنامج إذاعي من إعدادي.كان مجرد خمس دقائق تذاع قبل موجز التاسعة صباحا -أكثر الفترات مواتا في رمضان- ولم يكتفوا بذلك بل رشحوا الزميل أحمد سليمان ليشاركني التقديم وكان هدية ونقمة من السماء فقط أعطاني من خبرته كمراسل لإذاعة صوت أمريكا.
ولن أنسى كيف فتح عقلي بكلماته عن أننا يمكن أن نقدم مادة مكتوبة وحوار إذاعي وجزءا موظفا من أغنية وحوارات مع الجمهور في خمس دقائق وكان.
نوبات هواء بالليل ودار الكتب والشوارع والمتخصصون بجامعاتهم وبيوتهم ووووووو بالنهار.... وبدأت أنحف من اللف في الموالد والقرى أشرب الشاي مع هؤلاء والشيشة مع الأصدقاء (هم يعرفون كم أخافها الآن) وكم كنت فرحة بفقدي لبعض الكيلوجرامات ثم أصابني ارتفاع طفيف في درجة الحرارة وسعال وأنا طبعا مشغولة ومش فاضية أروح للدكتور.. عندي برنامج بقى.. إلى أن كانت مناقشة رسالة الماجستير لزوجي وانقطعت الكهرباء فذهبت بصحبة خالي بحثا عن كلوب في بين السرايات وإذا بي أفقد وعيي من كثرة النحافة التي حييتني عليها صديقتي وشبهتني بفتيات عروض الأزياء ويوم تنازلت عن انشغالاتي بعد تزايد السعال قررت أن أضحي بوقتي الثمين وأذهب إلى طبيب أتذكر أن إطار السيارة نام وكنت عادة أقوم بإصلاحه بنفسي فأنا امرأة مستقلة لا أحتاج إلى مساعدة من أحد؛
لم أستطع أن أحرك الإطار الاحتياطي ملي متر واحد فطلبت المساعدة من أحد المارة وعدت إلى منزلي باكية... وكان استقبال المسئولين بالإذاعة للبرنامج وبالتحديد أبله فضيلة رئيسة المحطة وقتها عظيما فأصدرت قرارا باستمراره بعد انتهاء شهر رمضان في توقيت متميز قبل الانتقال لصلاة الجمعة لمدة ربع ساعة لكني لم أتمكن من استغلال أول فرصة حقيقية تقابلني فقد أصبت بداء السل وثقبين وماء في الرئة...... مائتان وخمسون حقنة.... امتناع عن الحركة لمدة شهر بالإضافة إلى ثلاثة أشهر بالمنزل ثم ستة أشهر حركة بسيطة مع قائمة من التحذيرات وتظغيط كالبط فقدت معه رشاقتي لسنوات.... وكانت أول خبطة في أول سنة إذاعة ثم توالت الخبطات وظل الحلم ولكن لاح السقف.
لماذا أعترف؟ لأني بعد سنوات طويلة اكتشفت أن كل زملائي كانوا يعرفون حقيقة مرضي بينما حملت سرا ثقيلا بلا أي معنى سوى عاري من هذا المرض الذي أصاب غادة الكاميليا وفاتن حمامة وليلي مراد في الأفلام طبعا وكان السبب وراء إدراكي المبكر بأن العمل والنجاح ليس كل شيء فالأهل والأصدقاء هما الملاذ في اللحظات الصعبة التي لابد قادمة.
واقرأ أيضا
أنا ناوية أتعالج نفسيا!