كنت في الصف الثاني المتوسط.. الأول الإعدادي بالنظام المصري.. وجاءتنا مدرسة العربي الجديدة... مختلفة.. رفيعة أنيقة قصيرة الملبس مفتوحة الجيب صبغات على الوجه والشعر!!.. وهي ليست مختلفة فقط في شكلها وزيها حيث تقل نسبة غير المحجبات السافرات في الكويت - قبل الغزو العراقي للأرض والغزو الأمريكي لأهلها- ولكنها مختلفة بشكل آخر.. تبين من حديثها بعد ذلك.. حيث قالت بمناسبة لا أتذكرها حرفيا: ماني أللّهوية!!!
أي -لست- ففزعنا جميعا من وقع الكلمة.. وكان هذا أول عهدي بالعلمانيين... هرعت إلى أمي وأبي الغاليين.. حفظهما الله.. وكنت من الصغر ساعتها الذي ربما لم يخوضان في التفاصيل بشأن هؤلاء.. ولكني أصررت على أن أتعرف..
والمعرفة مخلوق ذكي.. تهرول إليك لو ألمحت فيك الرغبة.. ولطالما قابلت بعد تلك الحادثة وخاصة في مصر بأمثلة لؤلئك.. ولست بصدد الحديث العلمي عن العلمانية وتاريخها والقائل بها والعامل لها.. والمعتنق.. ولكني سأرصد بعض الخبرات مع أولئك والذين أعرف منهم الكثيرين وأقبلهم جملة وليس تفصيلا..
ونتفق أحيانا ونختلف أحايين..
كان لي جار مسيحي يبلغ من العمر خمسة وسبعين عاما.. وذات يوم طرق باب شقتنا وخرجت علينا زوجته التي تصغره بشهور وطلبت مني المجيء لأن زوجها مريض.. عيني يا طنط!! وذهبت.. ووجدت مكتبته تعج بالكتب.. من كافة الألوان والأشكال حتى أن كتب الشيخ الشعراوي -رحمة الله عليه- كانت تتصدرها.. وبعد الحديث معه وجدت أن غالبية الأعراض من جراء الشيخوخة وهو عندما يتوتر يرتفع ضغط دمه قليلا!!.. فقلت له: يا أنكل.. حاول تهدي نفسك شوية.. ليس لها من لازمة الانفعال على الفاضية والمليانة..
ثم نصحته بأن يستمع التراتيل الدينية ويصلي أكثر فربما يهدئ هذا من قلقه.. فقال: لا.. أنتم الربانيين فقط الذين تؤمنون بذلك.. ولكن عيا يعني دوا..
ودوا يعني شفا!!! قلت يا ساتر يا رب -في نفسي- خلاص ماشي.. خذ إذا مهدئ للأعصاب..
جارتي.. زوجته هي من زمرة الربّانيين الذين يسخر منهم ويعترض على تمسحهم بالتراتيل والصلوات فهي تقوم معنا في الفجر وتصلي وتفتح يداها لاستقبال الرزق... في البكور كما يقول اليسوع.. وبعد سنوات ولما بلغ مرضه مبلغا لا يشفيه الدواء وكان يحتضر قال لها -لزوجته- تبقى تدعيلي ربنا يا فلانة..!!!!..
ولم يعد هناك من شك أن العلمانية.. تتطور صعودا وهبوطا.. قربا وابتعادا عن الدين...
حيث أن القائل بأنه علماني.. لابد أولا أن يحدد هو مين فيهم!!؟؟
وهنا أذكر.. أن أحد الأشخاص.. وهو شخص مشهود له بالنجاح والإتقان وغيرها من محاسن التصرفات.. نمت لحيته قليلا لمرض جلدي .استعصى عليه حلقها... صادف هذا مرور أحدهم على عمله ليرى ما أنجزه هو وغيره من العاملين.. فأثنى عليه وقال : هي دي همه المسلمين.. برافو عليك... ولأن الأخير ليس من المكان.. فلم يستطع صاحبنا التفوه معه.. وبعد أن مضى قال وهو ينفخ : أنتم كل حاجة كده بتلبسوها عمامة!!!.. وحلق ذقنة تاني يوم..
وغيرها من المواقف التي من المؤكد أن قد مرت بأحدكم كثيرا..
والجديد هنا.. أني كنت مع والدتي لقضاء مصلحة حكومية.. فكان الزحام وكان التخاذل في تصريف شؤون العباد والبلادة و..و..
وكنت صابرة محتسبة لألا تنفجر مرارتي للمرة الألف.. وأحتار فيمن يصلحها لي!!! ثم رفعت عيني على السقف -أنفخ -وأخذت عيناي في النزول تدريجيا
وإذا بملصق على الحائط فوق المكتب الذي تتعطل فيه مصلحتنا مكتوب عليه.. قول : يا رب.. وهو يغيثك...
فتبادرت إلى ذهني لأول وهلة أنه يسخر.. أو أن أحد الزبائن هو الذي قد وضعها علشان يصبّر الناس.. فسألته: من واضع هذا الملصق.. قال: أنا
قلت: ممم جميل والله... هذه علمانية جديدة... فنظرت لي أمي نظرة محذّرة أن لا أستكمل الحديث فهي لا تريد مشاكل.. فنظرت أنا إليه لأستقبل وقع كلمتي عليه.. وكأن شيئا لم يكن
الغالبان لم يفهم!!!
أوليست العلمانية فصل الدين عن الدنيا!!! صاحبنا هكذا فعل ويفعل وسيفعل...
وبالمفهوم السابق.. يندرج الكثيرين من المسلمين وللأسف تحت هذا المفهوم.. الصلاة والصوم حاجة.. وقبول الجهاد كفعل مختلف حاجة تانية.
والأكثر تجديدا ... رأيا سمعته من عالمة رائعة غزيرة الفكر.. الدقائق معها لها ثمن.. ولا أزكيها على الله حيث طرحت الفكرة التالية وقد أعجبتني..
وهي.. أن مرحبا بالعلمانية...!!!! التي تفصل كل سوء من الأحداث الجسام في واقعنا المعاصر عن الإسلام... مش كل مصيبة تبقى إسلامية...
وهكذا مررنا على طيف واسع يحوينا جميعا تحت مظلة العلمانية.. فلكل منا وجهة هو موليها....
مودتي..
واقرأ أيضًا:
يوميات رحاب: سنن الفطرة / يوميات رحاب: المنغولي