يجول في خاطري، وأنا أتجول في أزقة مراكش، وأرى آثارها وقصورها أن المجد الذي أفلت من بين أيدينا يستحق ذلك الحقد، وتلك الكراهية، تجاهنا من أعدائنا فيبدو أننا فعلا أقمنا حضارة تستحق الاحترام، ودامت لوقت طويل، والفنون التي تراها مزينة لجدران البيوت، والأبواب، وتلك الحوائط الضخمة التي تحيط بالمدينة القديمة، وقد زرت عدة بيوت عتيقة تحولت إلى مطاعم تدخلها لتنبهر من معمارها وزخارفها، أليست هذه هي السياحة حقا؟!! قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم!!!؟!!
لكنني اشتبكت مع مديرة الحوار وهي لبنانية أمريكية –في نقاش حول منزلة السياحة بالنسبة للمغرب، والمرء يشعر أحيانا أن الاستعمار لم يذهب من كثرة ما يرى من أوربيين يملئون الشوارع والأزقة، وطبعا ليست عندي عقدة تمييز عرقي ضدهم، بل بالعكس رأيت السياحة دوما بوصفها مدخلا للتعارف بين الثقافات، والتعريف بثقافتنا وتفاصيل حياتنا، ولكن هل هذا هو ما يحدث فعلا؟!! أم أن السائحات عاريات الصدور في شرم الشيخ وغيرها من المدن العربية هن اللائي ينقلن نمطا وثقافة، تنتشر في غياب منظومة أخلاق، وضعف هوية أمة؟!! والاقتصاد القائم على السياحة هو في مهب الريح.
ليس عندي مشكل جنسي أقصد أنني لا أرى أن سيرهن بهذه الهيئة هو أخطر ما في الموضوع، لأنني أعتقد أن السياحة عندنا قد ضلت طريقها وتعطلت عن أداء الوظيفة التي نقول أنها تقوم بها!!
فبدلا من أن نستثمر الوجود السياحي عندنا يستثمرنا هو، ويحولنا بشرا وأمكنة وثقافة إلى مجرد ديكور للتصوير، ومنتجعات للاسترخاء والترفيه على طريقته، ونحن نرقص طربا حين تزداد "الأعداد" دون أن نحسب "العائد" الثقافي، والآثار الاجتماعية في رحلة عودتي سأقرأ عن "الزواج الأبيض" والمقصود به زواج المغاربة رجالا ونساء من أجانب، والطرف المغربي في مثل هذه الزيجات يعتبرها خشبة خلاص من أوضاعه أو أوضاعها البائسة عبر الاقتران بطرف أجنبي، والبحث يرصد الرغبة المحمومة في حرق المراحل، أو الترقي الاجتماعي السريع والسياحة تعطي الفرصة للقاء الأول، وفي ظل مستوى عيشنا تتحول المسالة إلى ما يشبه العبودية الجديدة، أو الاستعمار في ثوب من الحرير!!!
أجدادنا بنو الحضارة وأخشى أننا نبدو مجرد وارثين ومستهلكين دون أي طموح لإبداع أو استقلال أو نهضة ذاتية قد تؤثر على السياحة!! والمتصدرون للشأن العام عندنا غير مدركين لخطورة هذا .
في مرحلة سابقة كنت قد فكرت أن نموذجا مرشحا للعالم العربي يتم تطبيقه هنا وهناك بدرجات متفاوتة ومتصاعدة، وأسميته في حينه نموذج "القبرصة" نسبة إلى "قبرص" بعد زياراتي لها، تلك الجزيرة الصغيرة التي كانت تعيش على الرعي والطبيعة الجبلية ثم انقلب الرعاة والزارعون إلى البناء والخدمة في المجتمعات التي أصبحت تملأ البلد، ومصدر دخله الرئيسي، وبنات البلد خرجن للأعمال المتاحة في السياحة!!!
ماذا لدينا من أفكار وبرامج للاستفادة من قدوم الملايين علينا كل عام في سورية ومصر ودبي والمغرب؟! وماذا لدينا من مقترحات لاقتصاد مختلف لا يعتمد على السياحة فقط، ولا نمد فيه أيدينا بانتظار البقشيش؟!
واقرأ أيضا على مجانين:
على باب الله: السبت 9/4/ 2005 .. تفجير الأزهر/ على باب الله أن تكون رجلا السبت /6/4/2005/ على باب الله القاهرة الدار البيضاء 17/4/2005/ على باب الله ما أروعك يا مراكش–18/4/2005