بـسم الله الرحمن الرحيم..
تعـمل أختي الصغرى صيدلانية في إحدى صيدليات شارع الموردي العريقة... ذهبت ذات يوم لها في محل عملها.. وجلست فترة معها في الصيدلية.. فوجدت بنوتة صغيرة تمسك بكتابها بكلتا يديها تجلس على صندوق بالقرب من باب الصيدلية ولا يرتفع رأسها عن كتابها.. فسألت أختي عنها.. ولماذا تدرس في الشارع؟ فقالت: هي تسكن الشارع مع والدتها.. وأشارت لي على والدتها بكلمات من غير تلويح باليد.. فوجدتها سيدة ربما تجاوزت الخمسين برغم ما تحاول هي بما ترتديه من زي (جيب وبلوزة قصيرة وضيقة) وبما تضعه من مساحيق.. تجلس القرفصاء تبيع خس!!
وأضافت لي أختي أنها تبيع كل شيء حسب التساهيل.. وأنها تعاني من أهل المنطقة.. فهم من أولئك المصرين الذين ما زالت تحتوي عقولهم على قليل من عبق الماضي المستمسك نوعا ما الذي يأبى وجود أم لطفلة من غير زواج.. فالأم ذات ماض.. ولكنها عادت.. تبحث عن لقمة حلال.. ولكن ربما.. لا يعجب الناس العودة.. فالطريق عندهم اتجاه واحد ويبقى - رونج واي - لو استدار السائر عائدا عن ضلاله..
ومعاناتها من أهل المنطقة بسبب تعليقاتهم القاسية حينا وبسبب تحرشاتهم بها والإمساك بتلابيب خناقها حينا آخر.. ونحن جلوس سمعنا صراخا متعال الحس.. تقول فيه هذه السيدة: خلاص .. يا ناس أشراف.. أنا مش عاجباكم..أصل أنا لوحدي الي على ظهري يافطة!!!
وتقول لي أختي: دي بتعمل عمايل في بنتها .. تضربها بمنتهى القسوة.. وتجدي البنت صامتة..ليس لديها إلا بعض قطرات الدمع تسكبها على خدها النونو تمسح بها آثار الأقلام التي سقطت عليه تلهب جلده.. وعندما يستثير أحدهم والدتها وتبدأ المعركة بينهما تجري الطفلة ملقية كتابها من يدها تحول بجسدها الهزيل بين أمها وبين معاديها.. وبعد انتهاء المعركة تربت على كتف والدتها بحنان وتمسح دموعها وتقول لها: ولا يهمك يا ماما فتحتضنان بعضهما البعض .. وتتوالى الأحداث.. ضرب للطفلة وإهانة.. صبر وتحمل.. خناقة من الأم من غير سبب.. دفاع عن الأم باستماتة.. قبلات وأحضان.. وهكذا..
وفي نفس اليوم قبيل ما أذهب لحال سبيلي عائدة لمنزلي.. أتى رجل طاعن في السن.. يحمله شابين حيث اعتاد على أن يأخذ دواءا يزيل عنه أزمته الربوية جراء سنين مع الشيشة.. فلما دخل وأخذ دواءه.. دخلت طفلة جميلة كانت مختبئة وراء إحدى العربات في الطرف المقابل للصيدلية تراقب عن بعد.. ولما دخلت سألت الشيخ العجوز: عامل إيه يا سيدي؟؟ وهي تمسك بيديها الصغيرتين بإحدى يدي جدها.. قال لها وهو يلقف أنفاسه: الحمد لله.. الحمد لله.. ثم خرجا العجوز وحفيدته تربطهما مسكة اليد.. تعني معان كثيرة.. عند الأغلبية مفقودة...
رأت أختي نظرة الإعجاب فقالت: هذه الطفلة الصغيرة حفيدة الرجل المسن وعندما تفاجئه الأزمة الربوية ويحملونه إلى هنا.. تهرول وراءه للاطمئنان عليه.. والظاهر أنها لا تستطيع رؤيته وهو متألم.. فتظل مختبئة وراء العربية حتى يتماثل نسبيا للشفاء.. أنت عارفة هما ساكنين فين؟؟ وسمت لي مكانا بعيدا.. تعجبت لتلك الطفلة تقطعه في سبيل الاطمئنان على جدها.. كم هو القلب الصغير غض.. نضر.. ويحتوي على حب كبير....
ومن أولائك نتعلم.. فنون الحب.. لذوينا.. وللجميع..
مودتي
واقرأ أيضًا:
يوميات رحاب: المنغولي / يوميات رحاب بتحبني ولا لا