حضرتْ إلى العيادة في صحبة زوجها ككثيرات من المرضى، البداية كانت أعراضًا تشبه أعراض نوبات الهلع، وبعدها مرت بها أعراض اختلال الإنية والخوف الشديد من الموت، ثم تبلورت أعراض اضطراب الوسواس القهري، وأرشدتها إلى أول إصدارات مجانين عن حالات الوسواس القهري ضمن سلسلة الصحة النفسية للجميع،
وكانت هذه السطور ما حملته معها في الزيارة التالية بعد أن من الله عليها بتحسن كبير:
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن قرأت كتابك عن الوسواس ضمن سلسلة الصحة النفسية للجميع انتابني إحساس أني أريد أن أكتب وكانت هذه إحدى هواياتي من قبل، وأقول من قبل لأنني منذ زمن بعيد لم أمسك بالورقة والقلم لأعبر عن رأي وفكرة تدور في رأسي ولا أعرف لماذا وكيف وصل بي الحال إلى ذلك وقد تسأل نفسك وما هو ذلك؟ّ!!
هو ما أنا عليه الآن فلم تعد لدي اهتمامات من أي نوع ولا حتى ما يدور من حولي أصبح يؤثر في بشكل أو بآخر، فلم يعد لدي أي هواية أحاول بها أن أخفف من إحساسي بالفراغ رغم انشغالي بأولادي ولكن عندي فراغ فكري، وهذا ما دعاني الآن أن أكتب فبعدما قرأت الكتاب لاحظت ملاحظة غريبة يجوز أنها لدى كثير من الأطباء النفسيين ولكني وجدت لها بداخلي تفسيرا آخر وجدت أن 95% من المصابين بمرض الوسواس القهري في سن ما يتراوح بين 20، 30، وهو سن الشباب والنضوج الفكري والنفسي
فلماذا؟!
ما هي العوامل الخارجية التي يجوز أن تكون تدخلت في ذلك؟
وساعدت على انتشاره بين العرب خصوصا كما ذكرت دكتوري العزيز؟!
ولم أجد سوى إجابة واحدة وهي أن الشباب اليوم يعيش حالة من الإحباط غير العادي فالشباب في الجامعة يدرس وهو يضع في رأسه أن المستقبل مظلم وأن مصيره سيكون مثل ما سبقه ويبدأ في دائرة اليأس والفراغ بعد التخرج إلى جانب انتشار بعض المفاهيم الخطأ لدى بعض الناس واختلاط الأمر لديهم في الدين والعبادات فجميعا نعبد الله الواحد القهار وجميعا مسلمون ولكن يختلف الفكر بيننا، فمنا من يجد أن الدين يسر ومنا من يجد أنه تشدد رغم أن الله رحمنا ويسر علينا الكثير والكثير.
فمثلا عندما قرأت عن مشاكل الوضوء وقلت سبحان الله قلم يشترك الله الماء للطهارة بل أعطى لنا بديلا له عندما لا نجد الماء فقال فتيمموا فسهل علينا الكثير والكثير.
لذلك فأنا أجد أن جزءا من المسئولية يقع على عاتق الشباب وأنا منهم، فالشباب يتجه بكل قوة إلى الله وإلى العبادة ويجد في ذلك وحده حلا لمشكلته رغم أن الله لم يقل ذلك ولم يطلب منا إلا ما نستطيع فعله بجانب مسئولية أخرى يجب أن نقوم بها ألا وهي العمل وطلب منا التوكل عليه وليس التواكل.
وهو الذي قال في كتابه العزيز (....إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.... ) (الرعد: من الآية11) فلابد من التفكير والعمل مع العبادة وذلك عند الله أفضل لأن فيه المنفعة العامة لذلك فاختلاف المفاهيم لدى بعض الناس قد يسبب لهم مثل هذه المشاكل.
وقد قرأت مثلا هنديا من قبل يقول : يجب أن تكون التغيير الذي تتمناه في العالم؟
بمعنى أنه يجب أن يتغير الشاب أولا إلى ما يتمناه من أخلاق وجمال وانضباط، لذلك فأنا أجد جزءا من المسئولية يقع على عاتق كل شاب ولكن لا أستطيع أن أقول المسئولية كاملة فهناك الكثير والكثير كما أني أرى أن هناك سبب آخر وهو الجهل بتربية الأطفال وعدم وجود جو بيئي ملائم لهم لكي يتمتعوا بصحة نفسية.
أرجو أن تكون وجهة نظري منطقية وغير مرضية أرجو أن تتقبلها من شابة مريضة بمثل هذا المرض وهي في مقتبل العمر في سن النشاط الذي تحول إلى كسل وخمول في سن الإبداع الذي تحول إلى عجز في سن الترفيه والترويح الذي تحول إلى حبس وسجن داخلي مع أفكار خيالية تعذبها أحيانا وتحاربها أحيانا وتنتصر عليها كثيرا إنشاء الله.
يا رب أنت الذي وهبتني الدواء فاجعله لي شفاء
يا رب أنت الذي وهبتني الحياة فاجعلها لي نجاة
يا رب يا رب بيني وبين النفس حرب سجال وأنت يا رب شديد المحال
الأمل في الله.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: تعليقا على كلماتها أقول أن ملاحظتها عن سن أغلب مرضى الوسواس القهري صحيحة علميا إلى حد كبير ، فبدايةُ ظهور الأعراضِ غالبًا ما تكونُ في العقد الثالث من العمر أي ما بين العشرين والثلاثين وإن كانت تظهرُ في سني المراهقة أو حتى الطفولة في بعض الحالات وغالبًا ما يكونُ المسارُ تدريجيًّا بمعنى زيادة حدة الأعراض بمرور الوقت وإن اختلفت مواضيعُ الوساوس والأفعال القهرية من فترةٍ لأخرى فمن يعانون من إعادة التحقق في فترة يتحولون إلى مسرفين في غسيل أيديهم على امتداد المسار المرضي.
كما أن من المهم أن نذكر أن فارقا زمنيا طويلا غالبا في بلادنا يوجد بين بداية ظهور الأعراض وبين الحضور إلى الطبيب النفسي، أما ما فهمته من أنني قلت أن مرض الوسواس منتشر بصورة خاصة بين شباب العرب والمسلمين فليس صحيحا، وليس لدينا -غير الحس العام- شيء يؤكد زيادة انتشار الاضطرابات النفسية بوجه عام في شبابنا، وفي النهاية أقول كم أسعدنا أن يستفز كتابنا الناس ليكتبوا معبرين عن أفكارهم وخلجات نفوسهم ودعونا نتحاور على مجانين.
الأمل في الله.
واقرأ أيضاً:
قصاقيص مجانين46/ قصاقيص مجانين 45/ رهاب اللامحمول لا تصدق معدا ولا صحفيا/ حكة الفرج نفسية المنشأ/ بين المهدي وباسم يوسف ومجانين