(صور-1).. القلم والورقة..والحالة
كان المتغير الذي دخل في حياتي منذ عام 1979 هو متغير "التدين" فقبل هذا التاريخ كنت أعرف حالات من التدين "الفردي" غير المنتظم، لكنني لم أشعر باشتراكي مع آخرين في شيء يستحق الاهتمام، إلا عندما حضرت لأول مرة صلاة العيد في ميدان عابدين خلال العام الدراسي 78/1979، تلك الصلاة التي ملأت جوانحي بالإحساس بالانتماء إلى هذا الجمع الحاشد، ثم ازداد هذا الإحساس بمحاولاتي للانتظام في صلاة الجماعة في المسجد، وهي المحاولات التي لاقت مقاومة من أمي في البداية لأنها ستؤثر على مذاكرتي، وكنت سنتها طالبا في الثانوية العامة، ومع الوقت والمقاومة بين الحين والآخر انتظمت في صلاة الجماعة بمساجد المنطقة، وتعرفت من خلال تلك الصلوات على جماعة التبليغ والدعوة، والتي بلغ من تأثري بها أن رغبت وأنا في الشهور الأخيرة من الدراسة في الخروج معهم..وهو الأمر الذي كان دونه خرط القتاد، فما كان لأمي أن تسمح لي بذلك أبدا، لكنني استطعت أن أفعل ذلك في الإجازة الصيفية مرتين، ثم لم يرق لي الاستمرار معهم طويلا، ومع ظهور نتيجة الثانوية العامة ذلك العام كانت هناك معركة منزلية أخرى، إذ رغبت في الدراسة بكلية الإعلام أو الآثار، لكنني كنت حاصلا على مجموع يؤهلني لدراسة الطب..
أمل أمي وحلمها، ومن ثم أحالت علي كبيرة مفاوضي العائلة عمتي "علية"، ومع الضغط من أمي وعمتي وآخرين في العائلة لم أصمد كثيرا للمقاومة، فاستسلمت ودخلت كلية الطب مستعينا بالله، وفي الكلية والجامعة عشت العامين الجامعيين 79/1980، و80/1981 في حالة من التظاهر والنشاط الديني شبه الدائم مع "الجماعة الإسلامية" بالجامعة والكلية.
وقد أحدثت تلك الفترة تحولين مهمين في حياتي أحدهما على المستوى الثقافي والآخر على المستوى النفسي:
• أما التحول الثقافي: فكان في طبيعة قراءاتي ومن ثم كتاباتي إذ تحولت قراءاتي إلى الكتب الدينية والفكرية الإسلامية حتى أنني تخلصت من جزء كبير من مكتبتي الأدبية (وهو ما ندمت عليه كثيرا فيما بعد)، كانت القراءات تتراوح بين الكتب الدينية التراثية الصرف، وهي نوعية من الكتب لم أطق المداومة على قراءتها طويلا، أما النوعية الأخرى من الكتب فكانت ذات طابع فكري خاصة كتيبات سلسلة "دعوة الحق" التي كان يصدرها اتحاد الطلاب الإسلامي للجامعة والكلية، هذا الاهتمام الفكري غلب وتعزز من خلال متابعتي للصحافة الإسلامية بخاصة الثلاثي: "الدعوة" و"الاعتصام" و"المختار الإسلامي"، وكان لكل تلك القراءات آثارها في الوعي الفكري واكتساب فهم واسع للإسلام لا يقتصر على شكل ذاتي أو صوفي من العبادة، أما تحولات الكتابة فكانت ذات طابع سياسي حيث بدأت كتابة بعضا من الخواطر التي تعبر عن وجهة نظر سياسية غاضبة تجاه بعض سياسات السادات في ذلك الوقت خاصة بعد الصلح والتطبيع.
• أما التحول النفسي: الذي حدث فكان هو الانتقال من حالة الإنسان المنكفئ على ذاته والمتمحور حول اهتماماته الأدبية الخاصة، إلى الإنسان صاحب الهم العام، والإحساس بالانتماء إلى أمة إسلامية تمتد حدودها من غانة إلى فرغانة، ومجتمع مصري يموج بحالات من الغضب تجاه سياسات حكومته، وحكومة ماضية في سياساتها لا تعبأ برأي الجماهير، بل إنها أيضا وصلت إلى حالة شديدة من الضجر بتلك الأصوات المعارضة لسياساتها، ومن ثم كان لابد من أن يحدث الانفجار في سبتمبر وأكتوبر من عام 1981، وهو الانفجار الذي كان له تأثير شخصي غير مباشر على حالتي الكتابية والقرائية أيضا..وهو ما سنتعرض له في الموضوع القادم إن كان في العمر بقية.
ويتبع >>>>: (صور-3) فرز الأفكار والأحلام
اقرأ أيضاً:
قافلة العمل الخيري الجديد..حدوتة مصرية / وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا