بسم الله الرحمن الرحيم؛
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه..
لم أكن أتخيل يوما أن يخط قلمي ما لا تألفه الجموع... ولكني آثرت الحديث.. محاولة مني لعرض بل استعراض واقع مر.. لألا نعتاد مرارته تسأم مستقبلات الحس لدينا على استقباله هكذا مرا علقما.. بالطبع لن ينقلب في حلوقنا عسلا شهدا.. ولكنا سنألف المرار.. حتى يفقدنا الطعم والذوق..
كنا جلوس.. كلنا شابات يافعات تجاوزن منتصف العشرينات من غير تجاوز للثلاثين.. ولكن كانت بيننا فتاة صغيرة 18 سنة في إحدى كليات الجامعات الخاصة.. ودوما ما تشعرني تلك الصغيرة بالخوف على المستقبل فهم هو.. كما تشعرني بأني ماما.. تتصل بي طالبة مني الرأي.. ليس لدراية أو مهارة عندي طبعا ولكنه ذنبا اقترفه والديها وأساتذتها فابتعدا فلم تجد الصغيرة سوى أمة الله الفقيرة إليه..
وبينما نحن جلوس.. إذا بالصغيرة تميل عليَّ وتقول.. تخيلي أنه عندنا في الجامعة علني كده.. بيروّحوا مع بعض!!! تركت لها الفسحة لتقول ما لديها.. ما فاجئها ولم يفاجئني.. ولما فرغت سألت: هذا ليس بجديد يا فلانة.. الجامعات مليئة بالزواج العرفي منذ زمن.. قالت: لا.. ليس زواجا عرفيا.. بل ليلة وتعدي.. وهم أصحاب وزمايل قبل وبعد..
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. وإنا لله وإنا له راجعون.. هل أصبح الزواج العرفي موضة قديمة عزف عنها المجددون..أم حلت عقدة أخرى من عرى الأخلاق.. والباقيات لاحقات بالسابقات لا محالة.. هناك دافع من وراء ذلك بالتأكيد..هناك سر وراء ترك الزواج العرفي لما يفوقه!!!
ليس بمقدوري أن أعرض المشكلة بشكلها العلمي الذي ينبغي أن يكون.. ليس لدي الأدوات.. ومعدومة هي الإحصائيات.. فلربما يكون ما روي حدثا عارضا مرة أو اثنين ما يضرش!!! كما يحدث في أماكن أخرى بين أناس آخرين...
ولكن كلماتي البسيطة هذه أقارن فيها بين عهد انتشر فيه الزواج العرفي... وأكرر.. كان يسمى زواجا ويوصف بالعرفي... وصدرت الفتاوى تحرمه إطلاقا والأقلام تجرمه.. والعقول تبحث وتدرس وتنظّر وتأصّل.. ولم يأتنا الحل.. بل أخاف أن يكون قد أتانا البديل.. ليلة .. وتعدي..!!!
كنت أطمح أن يدرس عالم الدين مع عالم الاجتماع مع عالم النفس مع المشرّع مع كل من يهمه الأمر من كافة الفئات.. يدرسون كلهم مع بعضهم البعض هذه القضية.. ليس كل على حدة.. ولا يكتفون بالقضية.. بل يتعدونها لدواعيها.. ليس بكاف أن أقول للفتى وزميلته في سن الشباب والعنفوان واضطرام الشهوة والرغبة أن هذا غلط ..حرام .. باطل.. وغيره
بل أبحث لهم عن بديل.أو أناقش معهم كيف يكون هذا الزواج وإن فقد أحد بنوده تحت مظلة مقبولة وأناقشهم فيما دفعهم لزواج يوصف بالعرفي.. ماذا كان ليزيد في ظروفهم ليستكمل زواجهم بعض بنوده الناقصة ؟؟
0أذكر هنا حادثتين..
*في إحدى برامج الفتاوى على الهواء.. طالعتنا مشكلة فتاة يشتكي القاص أنها قد تزوجت عرفيا بشاب ولما عرف أبوها أتى به وأمره بالابتعاد عن ابنته وطرده.. إلى هنا وكان رأي العالم أنه حرام.. أنه زنى!!! فاستكمل السائل أن الوالد قد بحث لها عن عريس يتزوجها وفعل.. فما كان من عالم الدين إلا أن قال: إزاي؟؟؟ لازم تطلق أولا.....!!!!!!!! قلت: سبحان الله.. ما كان حرام وزنى الآن... هو في طلاق في الزنى؟؟؟
**.. كانت البنت تحب زميلها وتميل له.. فلما عرفت بذلك الأم بمصارحة من الفتاة ضربتها بقسوة وعاقبتها.ولما قالت لها أنه يحبها ويريد أن يتزوجها ..نهرتها .. وقالت: فين ؟؟ ومنين؟؟ دا عيل!!. فما كان من الفتاة إلا أن تزوجت زميلها.. وبعد.. شيوع الأمر.. أرادوا أن يكون الزواج علنيا بمأذون!! فقالت السيدة الصغيرة لأمها سائلة معاتبة: منين ؟؟ وفين يا ماما؟؟ قالت لها: عندنا هنا في غرفتك.. ومش هنغلب في لقمته!!!! أرأيتم التناقض..طيب ما كان من الأول وتحت عينكم !!!
نحن نحتاج لتغير عميق في مرسوخات الأذهان.. الشاب والشابة اللذان يقبلان على هكذا عمل.. ليسوا شهوانين.. ولا حيوانات كما يقال.. ولكنها حاجات فطرية.. منا من يستطيع كبحها لحين وقتها ومنا من لا يستطع.. فيذهب ليفعل إحدى أمرين: إما الزواج العرفي أو الزنى والعياذ بالله..
0نحن من دفعنا شبابنا للفعل الأخير.
0نحن من ساوينا بين الزواج العرفي وبين الزنى.
0نحن من أفتينا بحرمته المطلقة..
0نحن من تجاهلنا حاجات الشباب المتزايدة لأجساد عطشى.. تلوح أمامهم كؤوس مملوءة الكثير منها خمر مسكر وأقل القليل .. العذب الفرات.. تهيج الأجساد فترغب العذب.. ولكن هيهات..
0نحن من أغفلنا زيجات عرفية ناجحة.. جرّت إليها عراقيل مختلفة.. ولكنها ناجحة.. لماذا لم نرصد سبب نجاحها؟؟ كما رصدنا الظاهرة..
0نحن من اقتصر حديثنا تفنيدا وتنديدا.. فلم يعجب الشباب.. وشعر بالقهر.. بل أن أحدهم بات يحسد أباه أنه يأنس بأمه ..
0نحن من دفع أبناؤه للزنى.. لأنها علبة قمامة واحدة.. توضع فيها جميع أشكال الوصال.. فطالما يتساوى الزنى بالعرفي.. خسارة الورقة البيضة والمداد!!
0نحن من قصرنا في تربية أبناءنا.. وقصر آباؤنا في تربيتنا.. وسيقصر أبناؤنا في تربية أحفادنا، وستتولّى عقول معطوبة المهمة..
*متى يأتي اليوم الذي يعي الآباء أن أبناؤهم عندما يبوحون برغبتهم بالزواج.. إنما يلّوحون بإلحاح ذلك عليهم ووطأته؟؟ متى يكون الرد على أولائك بإجابتهم لما يطلبون.. ليس هكذا بسهولة.. ولكن بعد إعداد وإفهام وتوعية، ليس لحظتها... بل في مرحلة سابقة بالطبع.
*متى تكون التربية متعدية على الطعام والشراب والمذاكرة وغيره إلى بناء صلب يعد رجلا في الخامسة عشرة من عمره كما كان في عهد سابق؟؟ حتى وإن عرض بشأن زواجه.. لن تقوم القيامة!!
أتمنى أن يكون هناك من يسمعني ويفهمني..فلا يظلمني ويبهتني. لن تتغير دنيانا بين يوم وليلة.. ولكن ستتغير حتما يوما ما.. فقط لنبدأ.. والدنيا كما أحب أن أراها كالتالي:
أب وأم زوجا صالح لزوجة صالحة.. يتعاهدان على نشأة ذرية صالحة.. يبذلان لذلك الجهد والنفس والنفيس.. يعدّون شبابا واعيا راشدا ينزل للحياة محصّنا.. فيجتذبه الطيب ويقصيه وينفره الغث العفن..
فيعمد للطيب الحسن في نور النهار .. فيشجع ذلك الأبوان ويباركان.. وإن قصرت اليد بما بصرت العين.. فالمساعدة والمؤازرة من الجميع أباه وأبوها.. وتبنى الأسر السعيدة المعدة لحياة مديدة.
المستعدة للطمات الأحداث..
وفي الختام..
قولي بالزواج العرفي تحت المظلة الشرعية.. أفضل من النزوح للزنى.. لا أطالب بشيوع الزواج العرفي بل أطالب بتقبل الوالدين لأبنائهم ومتطلباتهم.. ويساعدونهم على تلبيتها.. كما يلبون الطاعم والشارب والمكتسي.. لا يدعونا لسلوك الطرق الملتوية إلا تلك العراقيل على الطريق المستقيم.. أميطوا عنا الأذى.. فإن إماطة الأذى عن الطريق.. صدقة..
يسألني البعض لو بنتك جاءت لك قائلة: أني متزوجة عرفيا من فلان.. هل ستقبلين؟؟
وإجابتي هي: أن بإذن الله ابنتي ستأتي قبل ذلك بكثير وتقول لي يا ماما أنا عايزة أتزوج!!
كما تبثني باقي احتياجاتها.. فأستجيب.. وهذه هي رسالتي..
مودتي..
اقرأ أيضاً على مجانين:
مقالات عن الزواج العرفي