ليس من عادتي أن أجعله يوما مميزا، لكنه هذا العام كان كذلك.
تلقيت زهورا إليكترونية، وأرسل لي الكناني بطاقة تهنئة رقيقة الكلمات قائلا أننا – هو وأنا– من برج واحد، ولذلك قد نتشابه أحيانا، فكشف لي تفسيرا لبعض تصرفاته!!
قبلات سريعة من الأسرة، ونشيد صباحي من الأولاد، ثم نزلت.
قابلت إحدى بناتي، متخرجة في كلية الطب حديثا تبدأ طريقها في نفس التخصص، حاولت أن أختصر لها دروس السنوات المنصرمة، دعوت لها وانصرفنا. قابلت ابنة أخرى تذاكرنا كم يمر من السنون، وسألتني فيما تفكر بالنسبة للمستقبل؟!
قلت لها ربما أحب أن أوفر نفسي لأشياء أكثر نفعا وإفادة لصالح المزيد من هجر ما لا أحب، ومن لا أحب، وقالت : من حقك أن تنظر وراءك في فخر، وتحمد الله على ما أنجزت، قلت: الحمد لله في الأولى وفي الآخرة.
اليوم هادئ وبسيط – حتى الآن – حرصت أن أتقابل مع صديق قديم ليشرح لي من خلال موقعه ورويته تفسيره لما يحدث الآن في مصر من تحركات سياسية، ومظاهرات في الشوارع لأفهم ما يتناقله الناس من أن الإخوان المسلمين قد نزلوا إلى الشارع، وربما تكون هذه مرحلة جديدة من العلاقة المتوترة دائما، الباردة أحيانا مع السلطة في مصر.
وصلت إلى منزلي متأخرا بعض الشيء لأتناول الغذاء وأنام بعض الوقت كالعادة قبل موعد العيادة.
ذهبت لرؤية مرضاي الذين قرروا ألا يزعجوني كثيرا في هذه الليلة فانتهيت مبكرا نسبيا، قلت أمر على مقهى الإنترنت أتفقد شيئا سريعا ثم أذهب للنوم.
في المقهى الإليكتروني كانت المفاجأة، وكان الحفل الذي لم أكن قد رتبت له شيئا.
فتحت الماسينجر ... قلت يا ترى من مستيقظ في هذه الساعة؟!
وجدت صديقي الطبيب الباطني المكتئب منذ فترة... تشاكينا ثم بدأ الحفل، قال: - هل تعرف " تشيكيتا"، قلت له: طبعا، وهي أغنية بالإنجليزية قديمة نوعا ما، من السبعينات أقصد، وكانت تغنيها فرقة " الأبا " الأمريكية، وكنا ونحن في عمر المراهقة، ومطلع الشباب نعرف هذا الفريق ونتابع أغانيه عبر البرامج التليفزيونية القليلة التي تعرض مثل هذه الأغاني، ومن خلال الشرائط التي تأتي من الخارج إلى الأسواق أو عبر القادمين من هناك.
طبعا لم تكن السماوات والاتصالات مفتوحة هكذا، ولم نكن على نفس حجم الاتصال بالغناء الأجنبي مثل الآن، والغناء هناك ظاهرة هامة للغاية، والموجات في صناعة النجوم، والاتجاهات في التأليف والموسيقى والأداء مرتبطة للغاية بالجو الاجتماعي والثقافي العام، وهذه قصة طويلة.
أسمعني صديقي "تشيكيتا" فتذكرت زمانا مضى، أرجو أن يكون في الخير، وبخاصة أن مثل هذه الأعمال كانت دوما مجرد موسيقى خلفية أو تصويرية لنشاط محموم كنت مندرجا فيه وقتها في الجامعة، ومن قبل ذلك كنت قد بدأت الاهتمام بالشأن العام.
ثم دخلت ابنتي الذكية التي لم أواعدها، ولكنها كانت هناك في تلك اللحظة لتحضر معي/معنا هذا الاحتفال، وأقول معنا لأنه لم يمر وقت طويل إلا وتلقيت مكالمة من "البرازيل" من زميلة أستاذة جامعية هناك تقابلنا حين زرت "ساوباولو" الصيف الماضي، فقلت لها: أنا على الخط، فقالت: سأدخل فورا لأهنئك بعيد ميلادك.
أصبح المشهد إذن كالتالي: حفل "أون لاين": صديقي المكتئب تخلى قليلا عن الكآبة عندما علم أنني في يوم ميلادي، وقام بدور المناول للسماع فبعد "تشيكيتا" وضع كاظم في أغنية من أجمل ما يغني، بل ربما هي الأفضل على الإطلاق، فيما سمعته له، وهذا رأيي: "استعجلت الرحيل" ثم "فيروز" ، ومحمد عبد المطلب: "اسأل عليَّ مرة، وقل لي قساوتك ليه"
ودخلت الذكية في الحفل فاستمعت لكاظم، وأرسلت أغنية "أنغام" "إلقالك حد"، ولم أكن قد سمعتها من قبل، ورأيي أن "أنغام" يمكن أن تضع نفسها في موقع أكثر تميزا لو أنها أحسنت إلى نفسها وصورتها الاجتماعية، والشكل الذي تقدم به نفسها.
بشكل عام لست من مدمني سماع الأغاني، ولكنني ينبغي أن أكرر أن الناس يسمعون ويتأثرون، وأتذكر عبارة "كونفوشيوس" إن من يؤلف أغاني أمة هو من يصوغ تفكيرها، وتذكرت وقفة أهل يثرب يستقبلون النبي المصطفى وينشدون: طلع البدر علينا، فالأغاني ليست ترفيها فقط، ولكنها من أهم "أدوات صناعة المعاني وتداولها في مجتمع ما، كل عام وأنتم طيبون.
واقرأ أيضا على مجانين:
على باب الله القاهرة الدار البيضاء 17/4/2005/ على باب الله ما أروعك يا مراكش–18/4/2005/ على باب الله: التغيير – 19 / 4 / 2005/ على باب الله: بناة الحضارة – 20 / 4 / 2005/ على باب الله: تداعيات أربعينية