يوميات رحاب: الزواج الثاني
لن أفتح هذا الموضوع الذي" قُتل نقاشاً" ولسنوات، كل ما سأضيفه اليوم هو خواطر..
كنت أتحدث في الصف عن الإيثار، وعن علاقة الأخوّة الحقة في الله، وأخذت أضرب أمثلة عن إيثار الصحابة لبعضهم البعض، والحقيقة أن أكثر موقف من مواقف الصحابة أثّر ولا يزال يؤثّر فيّ حتى الآن، هو موقف سعد بن الربيع من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، حين آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما عندما آخى بين المهاجرين والأنصار، سعد أنصاري، وعبد الرحمن مهاجر.. سعد مستقر في بلده وبيته بين أهله وأولاده وزوجاته .. وعبد الرحمن مهاجر خرج بما عليه مخلّفاً بيته وأهله وأولاده..
فما كان من هذا الصحابي الجليل إلا أن أحسّ بمعاناة أخيه الإنسانية وبغربته، فأراد أن يشاطره ماله وداره و .. زوجاته.. كلنا حين نصل إلى: زوجاته، نقف، فمنا من تكون وقفته وقفة استنكار على هذا الصحابي حيث يرونه" قليل نخوة" ولكنه صحابي، أي لا يستطيعون أن يقولوا عنه ذلك، فتختنق التعابير في حلوقهم لتبرز نظرات استهجان في عيونهم.. وقليل جدا من يرون اللفتة الإنسانية اللطيفة والراقية جدا في تصرف سعد بن الربيع، قليل جدا من يستطيع أن يفهم تصرفه بدوافعه النبيلة، والحمد لله الذي وفقني لأن أكون من هذا القليل..
لم يستطع أن يتحمّل فكرة أن يكون هو مستقراً هانئاً في حياته المادية والأسرية، وأخوه يرزح تحت وطأة الحرمان المادي والأسري، إذاً كيف يكون أخوه وهو لا يحس بما فيه؟؟ ولهذا قرر أن يعطيه نصف ما لديه، أراد أن يقسم ماله وداره وزوجتيه مع أخيه، فقد فهم ووعى تماما كيف أن الإيمان لا يكتمل إلا حين يحب لأخيه ما يحب لنفسه..
حين تحدثت عن هذا الموقف، إذا بعلامات الدهشة تعلو وجوه البنات فتعقد ألسنتهنّ، إلى أن فكّ لسان إحداهنّ لتقول: لا، غير معقول..
فقلت لها: الحادثة مدوّنة في الكتب الصحيحة.. لا نستطيع أن ننكرها، نحن نستنكرها فقط لأننا لم نعتد أن نر مثل هذا البذل والعطاء والإيثار في واقعنا.. لكنه كان موجوداً في الماضي..
عدت إلى البيت ذلك اليوم وأنا مندهشة حقاً من تصرف هذا الصحابي، وإذا بأفكاري تقودني إلى تذكّر مداخلة قرأتها على ساحة حوار إسلام أون لاين منذ سنتين أو ثلاثة، وكان مضمونها أن المرأة صاحبة المداخلة لم تعد تستطيع أن تكون أنانية فتحظى بزوج وأسرة وأطفال، وهي ترى أخوات لها وقد حرمن من كل ذلك، وإذا بها توجّه دعوة إلى النساء المتزوجات ليفعلن مثلها ف "يخطبن لأزواجهن" أو على الأقل لا يمانعن زواجهم بأخرى، فهي بذلك تكون من الذين يحبون لإخوتهم ما يحبون لأنفسهم..
يومها كانت مداخلة شيّقة فعلا، وتنمّ عن نفسية شفافة ومحبة للخير، بغض النظر هل هذا –تقديم زوجها لأخرى- طريق صحيح أم لا، ولكن يكفينا أنه لا تزال هناك في امة محمد من تفكّر بأخواتها تماما كما كان الصحابة يهتمّون لهموم بعضهم..
لا أدري لماذا يساورني إحساس دفين بأن الله لن ينزل نصره علينا في كل مجالاتنا الحياتية إلا حين تسري روح الأخوّة الحقة في عروقنا، فلا نستطيع إلا أن نحبّ ونقدر على أن نبذل لإخوتنا ما نحبه لأنفسنا..
ودمتم إخوة متحابين..
ويتبع : ...........يوميات رحاب: الزواج الثاني(2)
وأيضًا:...... حكايات بنت الفرات ..الزواج الثاني، مشاركة
اقرأ أيضاً على مجانين:
حكايات بنت الفرات: وظائف إنسانية شاغرة / حكايات بنت الفرات:قصة زواج من قالت