لا أذكر بالضبط عدد المرات التي هتفت فيها بنفسي لنفسي، وبيني وبين نفسي: يا لك من شهواني... إخص عليك !!!
كنا في مجلس المستشارين ظهيرة الخميس الماضي، نقرأ معا رسالة جاءت إلى باب استشارات إيمانية على موقع إسلام أون لاين، والنص رغم أنه لم يكن يتعدى بضعة أسطر كم كان موحيا ومعلما!!!
صاحب الرسالة يتحدث عن"طاعات" لا يستطيع الانتظام فيها،"ومعاصي" يتركها فترة، ثم ما يلبث أن يعود إليها سريعا، ثم يندم ويتوب ثم يعود، وهكذا.
وتناولنا مسائل كثيرة هامة، وكان منها ما خطر ببالي فقلته: هل يخطر ببال أحدنا عندما نذكر الطاعات أن"الجنس" طاعة؟! بس..... أسكت.... " جنس"؟! "طاعة" ؟! ما هذه التخاريف؟! هكذا يمكن أن يقول البعض، وزملائي سكـتوا طيب من الذي قال في حديث طويل: يصبح على سلامي– أي مفاصل أحدكم صدقات، قالوا، ومن يطيق هذا؟! قال : تبسمك في وجه أخيك صدقة - حتى يصل إلى قوله: وفي بضع أحدكم صدقة – أي في ممارسة الجنس– فيقولون: أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له بها أجر، فيقول بأبي هو وأمي: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟! إلى آخر الحديث.
ويقول صلى الله عليه وسلم:«كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها الى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة»، وفي حديث شريف آخر يقول صلوات الله وسلامه عليه:«إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة».، كما أخرج الترمذي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وارشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)).
كلنا يعرف ويقرأ هذه الأحاديث، ولكن أفهامنا لا تنبني على كلمات الله ورسوله بل من مصادر مشبوهة ومريبة يمكن تخمينها وتتبعها، ولكن الكذب على الله ورسوله صار تقوى ودين!!.... وبيزنس.. أما الشهوة في الإسلام فهي من الله لا من الشيطان، وهي طاقة نفسية وروحية جامحة ولا تكتمل نفس بدونها، ثم الإنسان يضعها في الحلال وبالأصول أو في الحرام والزنا والمجتمع ينبغي أن يحترمها.... الخ، أو نغفل أو نتغافل عنها، ونستعبط أو نتشوش فنظنها شيئا قذرا ورديئا، لا يسمو الإنسان إلا بقمعه، ولا يرضى الله عنه إلا بأن يتركه العبد لأجله،!!!
وأنا أقول لنفسي: من أين جاءت هذه التخاريف؟!!
ناقشت كاتب فيلم"بحب السيما" وكنت قد التقيته قبل تصوير حلقة أذيعت مؤخرا من برنامج" الحياة" على قناة دريم، وكنت قد شاهدت الفيلم مؤخرا، وكتبت عنه، قلت للسيناريست. هل اخترت المسيحية لتكون ديانة الأبطال لأن هذا يساعدك في نقد ما تريد نقده من جمود في الفكر، وشذوذ عن العقل والفترة في الموقف من الشهوة والجسد والجنس؟ّ!
قال: جزء من المسالة أنني نشأت في هذه الأوساط، وأعرفها أكثر كمسيحي، ولكن أيضا كلامك صحيح، فإذا قال مسلم بنفس المنطق، أو اتخذ نفس الموقف من الجنس سيجد من يرده أو يرد عليه بسهولة جدا: أن الإسلام لا يرى الأمور كذلك، قلت له: هل سيدهشك لو علمت أن كثيرا من المسلمين يحملون نفس الأفكار والمواقف من الشهوة والجنس والجسد؟!!! أي قريب من الموقف المسيحي؟!! واندهش بهدوء، فتلك طريقته.
وفي صندوق بريدي الإليكتروني رسالة طويلة من فتاة تقدم لها شاب، وتمت خطبة، وسافر أبوها إلى العمل الذي لن يعود منه قبل مرور أشهر، ثم أراد الشاب الذي صار خطيبها أن يتمم الأمر قبل الصيف– موعد قدوم والدها– بشهور، وقال: ممكن ينزل في أجازة سريعة أو نذهب نحن إليه لنتزوج، وشعرت الفتاة بحرج من الموقف، وانطلقت كلمة سخيفة، وإن كانت متوقعة، قيل للشاب: لماذا أنت مستعجل؟!!، وقيل: لماذا أنت شهواني؟!!
الفتاة سألت نفسها: لماذا يتعجل ولا يستطيع الصبر!!!، وربما خافت لو طاوعته أو وافقت على رغبته بالإسراع أن يقال عليها أنها شهوانية هي الأخرى!!!، وتبقى مصيبة لو كان عندها هي الأخرى رغبة جنسية!! يا نهار أسود!!!
رغبة!! شهوة!!! إخص... قرف... حيوانية!!! وحين وصلت هذه الكلمات للشاب اعتبرها شتيمة: أنا شهواني؟! كيف جرؤتم؟!! فالشهوانية عندنا وصمة ونقيصة واندلعت مشاجرة انتهت بفصم الموضوع، والفتاة مترددة وحزينة تفكر في مميزات هذا الشاب، وتتساءل لماذا أفعل هكذا؟!! وهل هو فعلا شهواني، مستعجل لأنه يريد أن يمارس معها الجنس في أقرب فرصة؟!! عيب!!
وفي رسالة أخرى وصلتني تتحسر الكاتبة لأنها لا تجد الحب وفي ثنايا رسالتها تقول ما معناه: أبحث عن الحب، وأين سأجده يا حسرة؟!! والرجال يبحثون فقط عن الشهوة وتذكرت هذه المقابلة والمفاضلة والمقارنة الدائمة:النساء تبحث عن العاطفة، والرجال يسيرون وراء الرغبة، ويبحثون عن الجنس، المرأة تعطي جنسا لتحصل على عاطفة، والرجل يعطي عاطفة ليحصل على الجنس–وبالتالي–طبعا العاطفة سامية ورومانسية، والجنس ذاتي ومادي وحيواني وأناني وشهواني، وربما أنا نفسي أردد هذا الكلام الشائع مثل الببغاء أحيانا، لأنه كلام" المتخصصين"!!!
وربما لم أكتب تجربتي كإنسان، أو أفكر بها حول هذه المسالة، وعندما أعود لنفسي كرجل وطبيب... الخ، وأتأمل... أجدني لا أستطيع جنسا إلا مع من أحب، ولا أعتقد أن حبا يتقابل في تعبيراته ومكوناته بين رجل وامرأة إلا الجنس، وغير ذلك فهو ليس حبا بالمعنى الكامل، ولكنه أشياء أخرى، أو عواطف أخرى، ووجدت كتابا يوافق هذا، مؤلفه كاتب من أهم المدافعين عن العلمانية في العالم العربي– وبالمناسبة لا أعتبر العلمانية شتيمة-، وهو يقرر في كتابه أن ما يسمى بالحب العذري هو محض خرافة لا وجود لها.
وليست هذه السطور قصيدة مديح في الشهوة، فلا أحد يشيد بالكهرباء أو الرياح كمصدر للطاقة وأشكال لها.
تذكرت زميلتي المدهشة، وهي واقفة في اجتماع تدافع عن أسلوب صفحة مشاكل وحلول في مقابل آراء ترى أن لغتها مثيرة، فقالت الزميلة: وهل الإثارة في ذاتها شيء معيب؟!!
ولم يجب عليها أحد يومها، وأنا أجيب اليوم فأقول نعم ... الرغبة والشهوة هي أشياء معيبة عندنا، أقصد في واقعنا وتفكيرنا، وليس في أصل ديننا.
*اللهم أحيني شهوانيا، لا أضع شهوتي إلا في حلال، لا أحتقرها، وإنما أفهمها، وأتفهمها كإنسان مثل بقية مكونات إنسانيتي وأضعها فيما أردت أنت لها من إطار وأصول.
نعم... أقولها وأجري على الله، ولتذهب كل التخاريف إلى الجحيم، من أي وعاء خرجت.
واقرأ أيضا على مجانين:
على باب الله: بناة الحضارة – 20 / 4 / 2005/ على باب الله: تداعيات أربعينية/ على باب الله: حتى لا تتكرر أخطاءنا/ على باب الله: في انتظار الباشمهندس