(صور-4) صراع الحلم والواقع
حينما بدأت أخطو أول خطواتي خارج القمقم الطبي لم أكن أعلم هل سأستمر في مسيرة الخروج إلى منتهاها أم لا ولم أكن أعلم مقدار ما سأتحمله من مشاق تجعلني أقف أمام نفسي مرات ومرات أختبر فيها مدى صلابتي وتمسكي باختياراتي..ولنبدأ الحكاية:
كانت الخطوة الأولى لي إلى العالم الرحب بعد تقديمي لاستقالتي من وزارة الصحة، وتحولي إلى طبيب حر، ولكن الحرية في بلد يسير الناس فيه قطعانا أمر صعب، كان علي أن أعمل في المستوصفات والمستشفيات الإسلامية صباحا أو مساءا وأن أعمل في المكان الذي أتيح لي كسكرتير تحرير لمجلة الأطباء التي تصدرها النقابة العامة، ولم يكن عملي هذا أو ذاك يدر علي دخلا ذا بال، وفي إحدى أمسيات عملي في المجلة قابلني الدكتور أشرف عبد الغفار أمين عام لجنة الإغاثة الإنسانية وعرض علي السفر للعمل مع اللجنة في جمهوريات آسيا الوسطى ولأنني كنت عاشقا للسفر ومحبا للمغامرة فقد وافقت على الفور، وكان الاتفاق أن أسافر ومن معي إلى ألبانيا حيث يلتقي بنا الدكتور أشرف في طريق عودته من البوسنة وبالفعل تم اللقاء بعد شهر من الانتظار هناك، وتقرر أن نسافر أنا ومعي سبعة آخرين إلى روسيا حيث نلتقي مرة أخرى بالأمين العام ليوزعنا مرة أخرى على مكاتب اللجنة هناك،
وبالفعل حدث اللقاء والتوزيع..وحدث الانتظار مرة أخرى انتظار الميزانيات والأوراق انتظارا طال إلى أكثر من شهر، لم أطق معه صبرا فقررت العودة إلى مصر مرة أخرى، وفي مصر لم يكن أمامي إلا العودة إلى العمل الطبي الجزئي في التأمين الصحي لطلبة المدارس وإلى عملي بالمجلة، ثم إن بعض الأخوة عرض علي أن أدير لهم شركة للإنتاج الفني الإسلامي، وقبلت مرة أخرى على أن هذا عمل يرسخ قدمي خارج الكادر الطبي بينما كنت أحاول ترسيخ قدمي الأخرى في المجال الطبي بالتقدم لنيل دبلوم طب الأطفال من جامعة الأزهر، ولكن كعادة الكثير من المؤسسات الإسلامية توقف العمل بالشركة بعد عدة شهور لأن أصحابها قرروا استخدام ميزانيتها في مشاريع أخرى،
ولأنني لم يكن لدي مورد مالي آخر يسمح لي بالتفرغ لدراسة دبلوم طب الأطفال فقد رسبت في المحاولة الأولى لامتحان الدبلوم، وفي أغسطس من عام 1994 انفتح لي بابا جديدا للدراسة غير الطبية وكانت في معهد الدراسات الأفريقية وتحديدا في قسم الأنثروبولوجيا، وقد كنت أظن أنني سأستطيع الاستمرار في دبلوم طب الأطفال والاستعداد لها بينما أدرس في المعهد، ولأن دراسة المعهد كانت تستغرق ست ساعات مسائية في ثلاثة من أيام الأسبوع، ولأنني لم أشأ أن أضيع تلك الفرصة لتوفيق أوضاعي وتعديل مسار حياتي وفق ما أردت ولأنني كان علي أن أستمر في العمل الطبي لأحصل على بعض المال،
من أجل ذلك كله لم أستطع الاستمرار في دبلوم طب الأطفال، ومن ثم قررت التوقف عنها، وقررت في الوقت نفسه أن أحرق السفن وألا أعود إلى العمل الطبي وذلك حينما أتيح لي العمل في شركة تقوم على إعداد كشافات للصحف والمجلات العربية بديلا عن العمل الطبي، وهو العمل الذي لم أستمر فيه كثيرا لاستبداد الإدارة وشح يدها تجاه العاملين، وكان علي البحث عن عمل جديد، ومرة أخرى عرض علي العمل في لجنة الإغاثة في مكتب القاهرة بينما كانت تتعرض لأزمة سياسية عاصفة كانت جزءا من هجمة الحكومة على النقابات المهنية والتيار الإسلامي فيها الذي بدأ بإصدار القانون 100، ولم يكن أمامي إلا القبول بالعمل كمسئول عن لجنة الإعلام التابعة للجنة الإغاثة، ثم مسئولا عن الإغاثة الداخلية، وكما كان محتما تم تسريح عمالة اللجنة وتقليص دورها وكان علي أن أعود مرة أخرى للبحث عن عمل..فماذا حدث وكيف وجدت ذلك العمل الجديد وهل مثل نقلة نوعية لي في إطار البحث عن الذات..هذا ما يجيب عليه المقال القادم.
ويتبع >>>>: (صور-6) مصر المغتصبة..هل لها من رجال؟
اقرأ أيضاً:
قافلة العمل الخيري الجديد..حدوتة مصرية / وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا