" والله لو أن الأمر بيدي لاغتلت كل الشعراء، أنا مالي ومال حبيبته اللي تركته؟ وأقعد أنا أقرأ النكد ده ليه؟ يا أخي وإذا كانت شمس حياتك تغرب فأنا شمس حياتي لسّة في ولها!!"
" قصيدة كاملة يصف فيها الشاعر الخمر وشوف لو فضلت من الآن لحد بعد أسبوع توصفلي مذاق هذه الخمر مش حعرفه لأني عمري ما دقتها، فليه كثرة الكلام؟ بكلمتين مختصرتين قل لي: ممممممم ووالله الخمر لذيذة وابقوا دوقوها ووخلاص خلصنا "
هذا جزء من حوار دار بيني وبين ابنة أختي التي تستعد للدخول في امتحان الثانوية العامة والمسكينة " اتعقّدت" من مادة اللغة العربية!!
" والله الشعراء دول ناس فاضيين مفيش وراهم حاجة جادّة يعملوها وبس شوفي الصحابة وكانوا ناس بيشتغلوا وبيتحركوا بنوا أمّة وحضارة ومش قاعدين جنب زوجاتهم بيقولوا شعر"
فقلت لها: سأفجعك الآن بفكرتك عن الصحابة ونصهم كانوا شعراء!!
فحملقت بي بدهشة ووكأنها تقول لنفسها: حتى الصحابة كانوا يتعاطون هذه التفاهات!! لأ ده كثير..
حولت عبثاً أن أفهمها أن الشعر هو الثقافة والفن التي تترجم المجتمع وولكنني كما لو كنت في وادي ورهام – اسمها - في واد آخر..
" لأ وإيه ونقعد ساعتين واحنا بندرس الكلمات ومعاني الكلمات والتراكيب ويا أخي خلاص بقى قول اللي إنت عوزة بكلمتين وخلصنا ووبعدين لازم نحفظها كلمة كلمة وويا ويلنا لو اتلخبطنا بحرف وتقوليش قرآن
" والله أنا اللي أفهمه إنهم يطلعولي إعلان وو يا ستي فيديو كليب ويقولوا فيه اللي عوزين يقولوه وخلاص، ليه كثر الكلام اللي ممنوش فايدة ده"
وهنا أدركت لماذا لم تفهمني ابنة أختي ولأن أدوات العصر الذي خلقت لتعيش فيه مختلفة تماما عن أدوات العصر الذي عشت أنا فيه، صحيح أنني لست قادمة من الزمن السحيق الغابر وولكن هذه النقلة الكبيرة في السنوات العشر الأخيرة خلقت هذه الهوة بيني وبين ابنة أختي
ثم أنهت المحور الأدبي الول " الاستعمار والتجزئة " لتدخل في المحور الثاني وهو عن "الفلسطينيين" وإذا بها تقول: ندرس محور كامل بقصائده ومواضيعه وأقعد فيه ساعات عشان أعرف إيه اللي بيحصل للفلسطينين وما أنا بشوفهم على " الجزيرة " وخلاص، مش كفاية كده ؟؟ "
تذكرت بعد هذه المحورة القصيرة القول المأثور : لا تقسروا ولادكم على أخلاقكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم..
فعلا، لقد خُلقوا لزمان آخر بوسائل تخاطب أخرى.. ولكننا نصر على اتهام هذا الجيل بأنه جيل " والعياذ بالله" جيل مفتح وقادر وإحنا مكنّاش كدة .."
هذه هي النظرة السائدة بين وساط المربين تجاه الجيل الناشئ سواء كان هؤلاء المربون من فئة المدرسين والوالدين ووالله لا أجد في هذه الاتهامات للجيل الجديد إلا تغطية على قصور الجيل القديم في قدرته على التعامل والتفاهم معه، فيلقون باللوم على أن الجيل تغير ولم يعد كالسابق!! طبيعي أنه سيتغير ولن يكون كالسابق ويجب أن يتغير ليستطيع العيش في الزمن الذي هو الآخر تغيّر
مع أننا لو تقرّبنا إلى الجيل الجديد وخاطبناه باللغة التي يفهمها لتغيرت الأمور 180 درجة..
وهذا مثال
الأطفال يعشقون روح التحدي والمنافسة، والتشجيع والتحفيز، فلم لا نتعامل معهم بهذه الطريقة؟
في إحدى حصصي المدرسية كنت أشرح للبنات موضوع " الصبر" وكنت أركز على أننا نحتاج للصبر حتى آخر لحظة من عمرنا و لأن الشيطان لا ييأس من جرّنا وراءه إلى جهنم إلا حين تبلغ الروح الحلقوم، وقبل ذلك يظلّ لديه أمل ويثابر في محولاته المستميتة لإضلالنا وفمن الذي سينجح : الشيطان أم ابن آدم؟ أكثرهما صبراً وثباتاً على تحقيق غايته هوالناجح..
وإذا بإحدى البنات تقول: طيب لماذا الله يفعل ذلك و لماذا ينزل الشيطان إلى الأرض وهو يعلم أنه سيضلنا؟ لماذا ولماذا ؟؟
وأخذت تسأل أسئلة فيها الكثير من السخط على الله تعالى وهذا السخط النابع من جهلها بالله تعالى وفهي تنطبق عليها الآية الكريمة: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير" !!
فبينت لها أنالله تعالى بيّن لنا أنه عدونا في كثير من الآيات ودلّنا على الطريقة التي نتعامل بها معه لننجو من شرّه ويعني ربنا يحبنا ولا يكرهنا ..
والله عز وجل نبّهنا على ذلك في آيات كثيرة في القرآن: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً" وغيرها كثير
الله عز وجل ليس ضدنا بل هو واقف في صفنا ويريدنا أن نعود للجنة و والدليل على ذلك أنه بيّن لنا طريق الجنة وحذّرنا كثيييييييييراً جدااااا من عدونا الحقيقي، ليس عدوك هو أخوك الذي أساء لك وأمك التي صرخت في وجهك وصديقتك التي أزعجتك ولا الله عز وجل الذي أمرك بأشياء ونهاك عن أشياء، بل هو الشيطان وهذه المواقف ستحدث بشكل طبيعي بيننا بحكم احتكاكنا ببعض ولكن الشيطان لنا بالمرصاد ليجعلنا لا نتصرف بشكل سليم فيها وبالتالي نخسر الآخرة ولأن هدفه الكبير الذي يسعى له هو أن يجعلنا نكفر بالله..
وإذا بفتاة أخرى تقفز من مكانها وتقول : هل هذا يعني أنه يجوز أن أتخذ الشيطان عدوي وأتحداه في كل شيء من أمور حياتي؟
فقلت لها: ليس يجوز وبل العلاقة هي كذلك فعلا مع الشيطان
وانتهت الحصة
وفي اليوم التالي جاءتني هذه الفتاة التي قبلت التحدي مع الشيطان لتبشرني بأنها انتصرت عليه البارحة في أول نزال حقيقي بينهما وأنها حكت لأخويها الأصغر منها عن هذه المعركة وقبلا هما أيضاً التحدي ونزلا الساحة وانتصرا!!
وسألتني: هل كل شيء سيفعله أخويّ الآن سآخذ أنا أيضاً ثوابه لأنني أنا التي دللتهم على هذا؟
- بالتأكيد..
- وأنت أيضا يا آنسة وكل ما سأفعله أنا وإخوتي وكل البنات سيكون في ميزان حسناتك؟
- نعم ولله الحمد..
- نيّالك.. -يا بختك-..
- أسأل الله يا فضيلة – اسمها – أن يتقبل هذا العمل منا ويجعله خالصاً لوجهه الكريم..
هذه هي باختصار لغة الجيل الجديد : التحدي والتشجيع. السرعة في عرض المعلومة بالأساليب العصرية... وإذا لم نكن على قدر المسؤولية فليس الله تعالى بعاجز أن يذهب بنا ويأتي بقوم آخرين يحبون تحمّل هذه المسؤولية..
ملاحظة: لا أدري كيف خطرت لي فكرة التحدي مع الشيطان خلال الحصة..
ولكنه الله تعالى الذي يجري على لساني ما تحتاجه بناتي.. فله الحمد وأسأله العون والسداد دااااااااااااائماً وأبداااااااااااااا