مدونات مجنونة عن استشارات مجانين
لو ذكر الكرم والشهامة فإننا سنتذكر دائمًا الشعب المصري الأصيل بطيبته وشهامته
ولكن مع تضخم هذا الإحساس وبدون وعي متزن قد تزيد بعض الأمور سوءًا لا خيرًا..
فالكلام هنا لن يشعر به ولن يلمسه إلا من عاشه أو ابتلي به حقًا... وهو(النظرة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة) واليتيم منهم على الأخص..
فعندما تجد الناس وقد تجمهروا في مكان واحد ويشيرون لشيء واحد ونظرات الشفقة تعلو وجوههم وفي صوت واحد "حرااام، مسكين" توقن مباشرة أن هناك معاق... فالمعاق عندنا مشهور بالاهتمام والعطف الزائد وغير المألوف والمقبول له، لا للناس.
فهل علمنا أن المبتلى يتألم من نظرات الناس ومعرفتهم بنقصه أكثر من تألمه من إعاقته.
فمثلاً قد نجد المرأة البدينة كلما جلست بمجلس أو قابلت أحدا لاحقتها ولاصقتها هذه الكلمات "لأ نزلتي شوية، لقيتلك رجيم رهيب، كويس إن الفستان دخل فيكي، وسعولها عشان تقوم"، أو عندما يحضر الطعام وتجد كل لقمة ترفعها إلى فمها تتبعها من الناس نظرات الاستغراب والشفقة؟!؟
وموقف آخر عشته بنفسي عندما حكت لي إحدى الصديقات وهي مسافرة بالقطار مع زوجها وقد فاجأتها النوبة المرضية لزوجها المعتادة ولكن غير المعتاد أن تجد ركاب القطار جميعهم فوق رأسها مما زاد من الحالة النفسية والمرضية لزوجها، وعندما مرّت الأزمة بسلام أكمل الركاب باقي ساعات السفر في الغمز واللمز والبعض الأخر يحكي ما عنده من حكايات مماثلة للمرض والآخر يُصبِّر ومن يُشخِّص والحمد لله وصل زوجها وبعد أن كانت تأتيه الأزمة كل شهرين أصبحت كل أسبوعين...
فنجد أن العلاقة بين الفرد والمجتمع علاقة تأثير وتأثر، فالمعاق شخص مثلك تمامًا ومن حقه أن يتمتع بالحرية والعيشة الكريمة..
فالإفراط في الشفقة قد يؤدي إلى نتيجة عكسية ويولد عنده كبت نفسي وينتهي به إلى الانطواء والانعزال بعيدا عن مسببات التوتر.. وقد ترسم في ذهنه النقص والدونية ولو كان رئيسًا للجمهورية ولو كان مستشارًا نفسيًا..
فالصراع النفسي كما عرفه علماء النفس: هو "التصادم بين سلطان النفس على الانفعالات وسلطان الانفعالات على النفس"
فنحن ولله الحمد اكتسبنا الأخلاق والمعرفة وفقدنا القدرة على التوجيه الصحيح....
تقول إحدى المربيات
في ملجأ أيتام ليتهم ما فعلوا يوم اليتيم فقد فوجئنا بتدافع الناس على الملجأ بصورة عشوائية وكأنه يوم الوقوف بعرفة وكأن الشريعة حددت هذا اليوم وتركت باقي الأيام... مما بث الخوف والقلق في نفوس الأطفال ومثلت لديهم معان أخرى بعيدة كل البعد عن معان الحب والحنان .
وحينها أدركت حقيقة الصلع عند أغلبية الأطفال؟!!..
فيا أخي الكريم القرآن لم يأمرك بأن تقتلع رأسه لكي تمسح عليها أو لتجعله روتينًا يفقد معناه الحقيقي..
بل تأتي بالسنة الكريمة وتمسح على رأسه ويدك تصل لشغاف قلبه تملؤه حبًا وحنانًا..
فنحن قد ملكنا الوسيلة وفقدنا الغاية والهدف واستخدمنا العاطفة دون العقل..
اليتيم من فقد أباه لا من فقد كل شيء..
فيجب أن نعدل عن الشفقة والعاطفة بسذاجة للتعويض عن النقص بنقص أكبر، ونتبع الوسطية كما جاء في القرآن الكريم "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا"
وقوله "وكل شيء عنده بمقدار"
وهلا استبدلنا ألقاب: معاق، أرملة، أعمى، بألقابهم التي سماهم بها أبائهم وأمهاتهم..
فقد تجد الواحد يذكر لك عنوانه بقوله: بيتي بجانب بيت أم الأيتام أعلى شقة الأعمى أو أبو رجل واحدة؟!!؟
فهذه الكلمات قد تزيد جراحهم وتذكرهم بها كل ساعة؟!
ولتعلم أخي الكريم أن المبتلى لا يكره مثل الفضول وكثرة الأسئلة فتجده يحاول جاهدًا نسيان سبب إعاقته من حادث أو نازلة كانت سببًا في إعاقته أو فقدانه أحدًا من أهله... ولكن أين المفر؟!؟
فأينما ذهب يواجه أسئلة وفضول الناس.. متى حدث؟.. وكيف؟.. وأين؟ وكيف كان شعورك وقتها؟؟..
فتجده يعيش المصيبة في اليوم خمسين مرة؟!؟!
فضع نفسك مكانه وعامله كما تحب أن يعاملك الناس وأعطه الفرصة لكي يعتمد على نفسه ويعيش حرًا كريمًا........
ونحب أن ننبه أن ما ذكرناه آنفًا خاص بالمعاقين من العامة وبعيد كل البعد عن المعاقين المتسولين فالمعاملة هنا تكون عكسية تمامًا..
فآه يا أخي الكريم لو تعلم كم من السعادة والسرور ستدخل قلبه إن أشعرته بإعاقته.. ويا حبذا لو فضحته بين العامة ولفتّ النظر له فكم وكم من باب رزق ستفتحه عليه..
فعليك أخي الكريم بوزن الأمور وإعطاء كل ذي حقٍ حقه
والله الموفق