لماذا قررت فتاة في أواخر السبعينات حيث لم يكن الحجاب منتشرا في مصر سوى للمنتمين للجماعات السلفية أن تضع غطاء للرأس...؟ كنت وقتها في الثانوية العامة أي في السادسة عشرة من عمري وقد بدأ الحديث حيث أنه لم ينتهي يوما عن الحجاب فقلت لنفسي طالما هذا واجب شرعي فلأؤده بكل بساطة وكان... ولم تكن أمي مقتنعة بفعلتي لكنها بطبعها لا تتدخل أما أبي فلم يعترض ولم يشجع.
وقتها كنت المحجبة الوحيدة في العائلة ولا أنسى مدرسي المنزلي للفيزياء وجملته الساخرة عن أن نصف المحجبات فاشلات عاطفيا ولا أتذكر ماذا عن النصف الآخر... دخلت الجامعة ألبس الجينز وتونيك وتوربون على الرأس وأرفض من يسألني عن حجابي وأعلن أني محتشمة وفقط لكني بيني وبين نفسي لم أحس أن غطاء الرأس قد أضاف إلي شيئا على العكس وجدتني أبتعد عن الصلاة وأحس أن من حولي يريدون أن يضعونني في خانة الشيخة ولا أدري لماذا كانت شخصية الفنان محي إسماعيل في فيلم خللي بالك من زوزو هذا الفتي المتشدد المتشنج تلح على مخيلتي وخوفي أن أكونه في نظر من حولي فقد كان شكلي شاذا في الجامعة.
لكن جدتي صاحبة الشخصية الطاغية كانت الناقدة الدائمة لشكلي (لقد تحجبت جدتي بعدها بسنوات طويلة عندما أصبح الحجاب ظاهرة طاغية) أتذكر يوم كنا جالسين مع شباب من العائلة فنزعت الغطاء من على رأسي يومها بكيت من شدة الحرج فلم يكن شكلي يسر عدو ولا حبيب.
وفي يوم وليلة وبعد صراع داخلي قررت أن أخلع غطاء الرأس وتلك خطوة أشد صعوبة من وضعه لكني أنجزتها بعد ثمانية أشهر تقريبا من الحجاب أو الاحتشام ومن يومها قررت أني لن أقدم على تلك الخطوة ثانية فإذا كنت أشكل إثارة لشخص ما فليغض بصره هو أما أنا فلأطور سلوكي ومفاهيمي القيمية دون الارتكان على المظهر بأي شكل من الأشكال وأثبتت لي الأيام أن الحكم الأخلاقي على الآخرين من خلال المظهر أمر عقيم فكثيرا ما يستر البعض الشكل لمداراة سلوكيات منحدرة ليس ذلك فحسب بل أصبحت بشكل شخصي ضد كل ما يفرق بين البشر من الناحية الدينية وكم كنت سعيدة وأنا أوقع على وثيقة انتساب ابنتي للمدرسة الفرنسية بعدم ارتداء ما يميز الأشخاص دينيا..
لا صلبان ولا طواقي يهودية ولا حجاب فالطبيعي أن ينحاز المرء لبني ملته إذن فلنكن جميعا مجرد بشر يكفينا التمايزات العرقية الشكلية التي تدلنا على أصوله الإفريقية أو الأوربية أو العربية أو الآسيوية ولكل في الآخر مسبقا آراء وأفكار حتى قبل أن يفتح فمه ويعبر عن أفكاره.الدين عنصر فرقة وصراع بين البشر كما نقرأ من تاريخ الصراع البشري أو هكذا استخدم للحشد من أجل الحروب والتَسَيُد للطامعين في السيطرة.
أخيراً لماذا تصر المجتمعات المسلمة على حجب المرأة عن الحياة باعتبارها سبب الغواية والإغواء للرجال الطيبين الضعفاء؟.
ويتبع>>>>> : إلى بثينة كامل .. من وحي سطورك
اقرأ أيضاً على مجانين:
الغباء السياسي / عشتها من قبل بشكل أو بآخر