كان آخر ما كتبت في اليوميات عن الشهوة والشهوانية، ولم أعد أعجب حين ينظر أي أحد إلى أي أحد أو أية ظاهرة أو مسألة مركبة بتبسيط، ورغم إشارتي في نهاية ذلك النص أن الشهوة هي مكون ضمن مكونات، وجانب من جوانب، وجزء من أجزاء، فلا أحسب أن أحداً سينتبه لهذه الإشارة، الأغلبية ستخرج منطلقة في الخيالات، وربما في الجدل حول الشهوانية لا التركيب والتوازن!!!
فعندما يحكي طبيب نفساني عن الشهوانية، ويقول بأنها طبيعية وإنسانية، وحين يقول أن ممارسة الرجل للجنس هي تعبير عاطفي، وليس مجرد متاع أو إمتاع جسدي لنفسه ولمن يعاشر، لا بد أن البعض سيقفز إلى استنتاجات من قبيل أنني كل يوم مع امرأة أو أن الجنس والشهوة هي موضوع حديثي مع من حولي، وربما وضع البعض هذه الاستنتاجات إلى جانب ما وقع في نصيبي من أسئلة على مشاكل وحلول أو "مجانين" فيما يتعلق بالجنس ومشكلاته قبل أو بعد الزواج فيكون الناتج صورة "زير نساء"!!!.
وتأملت فوجدت أن تكذيب هذه الظنون لن يأتي بشيء، وراجعت مشاعري وأفكاري فوجدت المفارقة تثير الدهشة والضحك، إذ لا يطفو هذا الاهتمام إلى ذهني إلا في أوقات الفراغ، وهي نادرة، ولا أقصد أنه اهتمام خسيس أستحي منه، ولكن هذه هي طبيعتي وحالتي.
وتأملت فوجدت مشاعري تجاه من أحب تبقى غالباً حبيسة في صدري، أي أن التعبيرات العاطفية غير الجنسية غالباً تظهر، وعند البعض فإن ما لا يظهر هو معدوم أو غير موجود، ربما هكذا تفكير أغلب النساء!!! وقلت في نفسي: لعل مثلي كثيرون، يقعون في؟ أن يساء فهم مواقفهم والتواصل بمشاعرهم وقعها من الطرف الأخر!!!
ثم وجدتني أيضاً أخبو فيما يتعلق بشأن الشهوة وتعبيراتها حين تتوهج الأنشطة والاهتمامات العامة المتعلقة بالوطن، أو المتعلقة بما وهبت له حياتي وجهدي من محاولات إصلاح أو إنقاذ على الطريقة التي أومن بجدواها، والنتيجة كارثة، لأن الرسالة المجمعة التي تصل لمن تحب هي أنك زاهد فيها مادياً/جنسياً، ومعنوياًَ/عاطفياً، وهو موجع ومؤلم إذا صح، ولكنه ليس بصحيح!!!
وقد أصبحت أؤمن بأن الصفات الشخصية المتعلقة بالأبراج لها من العلم الصحيح نصيب، وسمعت أن مواليد بعض الأبراج هم أميل إلى كتمان مشاعرهم بل وكل أمورهم ثم قد يلومون الآخرين على نفس الشيء، وينسون أنفسهم!!!
تأملت فوجدت أن ما أكتبه عن نفسي أرجو به التنفيس أو الفضفضة بما ينفع الناس ربما لا يصل متكاملاً، فأظلم نفسي، وربما لا ينفع غيري!!! هل أتوقف عن الكتابة في هذه الناحية!!! هل أكتفي بالكلام العام "البلاستيكي" الساخر أو الجاد؟!
حتى عندما كتبت عن المشهد من زاوية أخرى لأبعث برسالة عن الطريقة التي نعيش بها أو ندرك بها حياتنا ونتعامل معها، فإذا بالجميع يتشوش في رده أو استقباله لهذا:
توترت زوجتي واعتبرته رداً، وكتبت هذا رغم أنني أكدت لها أنه ليس كذلك لا شكلاً ولا موضوعاً، والمحرر في الجريدة لم يفهم هو الآخر!!! فحذف كل ما يتعلق بالنقطة الأساسية، أي تأملي ونقدي للطريقة التي نعيش بها، ومحاولتي ودعوتي للبحث عن بديل وبعض القراء اعتقدوا أنني أدافع عن نفسي أو أبرز انشغالي عن بيتي وأولادي وآخرون اقترحوا أن أواعد زوجتي خارج المنزل، أو أنه ينبغي أن أسكت عن ذكر مثل هذه الأمور، لأنها في رأيهم نواقص هي يجدر كتمانها!!!
وتأملت فوجدت أننا غير معتادين لا على الصراحة ولا الشفافية، وأننا نفضل الكلام الذي يبدو صادقاً وناقداً بينما هو بلاستيكي، أو يبرق مثل الذهب، لكنه ليس كذلك، ولن أقبل على نفس -بإذن الله- الكذب أو أن أخدع الناس على حساب الحقيقة.
وأذكر مشيتي على شاطئ بحر الشمال في لاهاي صيف العام الماضي بصحبة الأستاذ المفكر والناشط السوري "ميشيل كيلو" وهو يروي لي عن أستاذة إلياس مرقص، وكان مما قاله له، ونقله لي الأستاذ ميشيل في سيرنا على الرمال، قول الأستاذ مرقص له: ليكن وفاؤك الوحيد للحقيقة، ولو تركت حزبك أو جماعتك أو شلة أصدقائك بحثاً عنها أو تحرياً لها وما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
أمرت أن أقول الحق ولو كان مراً وكان الشيخ محمد الغزالي يكتب زاوية في إحدى الجرائد بعنوان: الحق المر ثم جمعت بعد ذلك في كتاب، إذن هو ذاك طعاًمي وخبزي الشهي إذن، أدعو الله أن يلهمني الرشد، ويمنحني العزم، فلا أضجر ولا ألتبس، ولا أحسب أننا يمكن أن نتقدم إلى أن يكون الوفاء للحقيقة وحدها......... وحدها, وكم هو صعب في هذا الزمان!!! اللهم اهدنا الصراط المستقيم وسط الغموض والتشويش واللغط، اهدنا وثبتنا.
*اقرأ أيضاً:
على باب الله: الأصل والواقع/ على باب الله الحوار/ على باب الله جواز سفر/ على باب الله: الطريق إلى بودابست/ / على باب الله بودابست/ على باب الله: وداعا بودابست