يتنازعني اعترافان يدوران حول الانتهاك البدني والمعنوي وأبدأ بالجسد فلا يمكن أن يقدر معاناة الشابات اللاتي انتُزعت ملابسهن أكثر من امرأة يأتيها هذا الكابوس ليلا... أو من تعرضت لتلك المحنة وأنا تعرضت أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف عام 82 لتجربة مشابهة عندما كنا نجمع التبرعات بالدم أمام مكتب أبو الفضل الجيزاوي المحامي فأبلغت زوجته عنا فاقتحموا المقر وداسوا على أكياس الدم وانتزعوا خطيبي مني وكان عقد قراننا قبلها بأسبوع بالضبط فتشبثت به فأشار الضابط على المخبرين بأن "خذوها" فأمسكوا بي مرابعة وهاتك يا جذب من كل جزء في جسمي.. إحساس كريه وصعب صوره بحساسية فيلم "هانا كيه" للعظيمة فينيسيا ريد جريف على يد الجنود الإسرائيليين وهم يقومون باعتقالها.
ذلك الفيلم الذي أوقف حالها في السينما الهوليودية.. إذن فهذا سلوك بوليسي تقليدي وموغل في القدم وبجد مجدي لكن المذهل فعلا والمثير للإعجاب هو قدرة هؤلاء الفتيات على التحدث عنه بجرأة ولم يكن ليفعلن ذلك لولا الضمير الحي النابض في العروق المصرية هذه الأيام وبقدر ما تألمت وأنا أقرأ المدونات والشهادات على النت لهذا الحدث الكريه الكابوس بقدر ما ارتحت وأنا أرى الفتيات قويات لا يدارين ما لحق بهن من أذى ومهانة وتربت الفتاة على أنه عارها الذي يجب أن تكفي عليه ماجور بل واجهن ومعهن نساء ورجال آخرون مطالبين بمحاسبة المدبرين والفاعلين.
أعود إلى العام 92 على باب 4 بمبنى ماسبيرو التقيت بالفنان عبد العزيز مخيون الذي كان أول شخصية ذات حيثية تنتبه لبرنامج اعترافات ليلية وأخذ يحدثني عن قدراتي في تلقي اعترافات الشباب وسألني باهتمام عن كيف اكتشفت قدراتي في التعامل مع المشكلات وما يميزني من سرعة بديهة موقف دائما ما أتذكره فلم يكن قلم واحد قد كتب عن البرنامج. ربما لم ألتقيه بعدها ورغم كل ما حصلت عليه من حب وانتشار وجماهيرية فيما بعد إلا إنني قد انتهكت فوق وتحت الحزام داخل هذا المبني وعلى صفحات الجرائد لدرجة أن زميلة تلفزيونية فجأتني بقولها "الحمد لله إن جوزك ماطلقكيش" من أول "يتهافت الشباب على صوتها" إلى "الإساءة إلى سمعة مصر" واتهام البرنامج ومقدمته ومعترفيه بأنهم "ضد الشرع والأخلاق والدين" وكلها أسلحة فتاكة انتهت بحرمان الشباب من مساحة صغيرة لا تتجاوز ال45 دقيقة بعد ما الكبار يناموا... يا عبد العزيز إنت حاجة جميلة في حياتنا المصرية وما تعرضت له صعب للغاية لكنك سوف تتجاوزه.
اقرأ أيضاً:
عندما تحشمت / خوفي من السلبية