جاءت معرفتي بهذا المدعو "رجل" متأخرة قليلا، فقد نشأت في منزل ليس به أب، حيث توفاه الله وأنا أبلغ من العمر45 يوما فقط .فتحت عيني على الدنيا وأنا أرى أمي تؤدي الدورين "أب وأم"، وأحيانا تؤدي دور واحد فقط "الأب"، فكانت تعمل لتوفر لي وأخي معيشة كريمة، وأيضا ترعانا وتغرس فينا القيم التي هي الثروة التي يمكن أن تبقى لنا طويلا دون أن يصيبها الإفلاس.
تلك النشأة أثرت على أفكاري وتوجهاتي بعد ذلك، وكانت أيضا سببا في كثير من مشكلاتي، فيمكنني أن أعترف أني لا أستطيع فهم "معشر الرجال" جيدا وأجدني أقف أمام سلوكهم مشدوهة، مفتوحة الفم والعينين، في محاولة للفهم، لكني أعود وأذيال الفشل تتبعني، ولأكون أكثر تحديدا فإن من أقصدهم بكلامي هم "الرجال المثقفون أو من يدعون الثقافة، فتجد الرجل منهم في معظم الأحيان يقع فريسة "الفجوة" بين ما يقول وما يمارسه من سلوك في حياته اليومية.
فتجده في الاجتماعات والندوات خطيبا مفوها، وحين يكتب متفتحا ومستنيرا ينادي ب"حرية التعبير" و"حقوق المرأة" و"قبول الآخر"، وحين يعود إلى المنزل يتحول إلى الحاج "مرزوق" أبو سنبل من "حدانا بالبلد"، نجده يترك كل ما كان يشنف به آذان من حوله منذ قليل على باب المنزل بجوار "دواسة الباب" حتى يأخذه معه حينما يخرج مرة أخرى، ويتحول لشخص آخر، وكأن ما قاله لا يعدو كونه فقط للاستهلاك المحلي.
وتكون الصدمة من الزوجة التي ألفته وقبلته زوجا، لكونه هذا الشخص "قبل العملية" والتي يجريها لنفسه "وهو طالع على سلم البيت".. وتكون الحيرة من نصيبها والإحباط زادها.
أظن أن تلك الفجوة التي يعاني منها الرجل الشرقي سببها كامن في "التربية" فهو لم يعتد هذه الأفكار والآراء" التقدمية" التي تأثر بها عندما كبر، فهو من المؤكد لم يشاهد أباه يتعامل مع أمه سوى بهذه الطريقة فتصور أنها "المثلى" وظل يكررها دون وعي، لهذا فإن مسئوليتنا تجاه أبناءنا تفوق كثيرا ما نعيه عن حقيقة هذا الدور.
طافت بذهني هذه الخواطر عندما كنت أجري حوارا مع رئيس جمعية "حرية الرجل" والذي يطالب من خلالها بأن يكون هناك اهتماما بالرجل لرعايته ودعمه نفسيا واجتماعيا بشكل يوازي اهتمام المؤسسات الرسمية والأهلية بالمرأة وحقوقها، وهو يرى أيضا أن للرجال أيضا حقوقا مهضومة مثل النساء.
وأرى أن في حجج"مؤسس الجمعية"وجاهة.. خاصة لو عرفنا أن هناك بعض الدراسات تؤكد أن تزايد الاهتمام بالمرأة دون الرجل قد يؤدي إلى حدوث فجوة معرفية بين الطرفين من حيث الوعي بالحقوق والواجبات.
وهذا منطقي جدا في تصوري، حيث إذا تمت تنمية المرأة على المستوى الثقافي ورفع الوعي الاجتماعي بقضايا مثل تربية الأبناء والثقافة الجنسية، وتنمية المهارات الخاصة مثلا بإقامة مشروع وزيادة الدخل، ولم يتم مع الرجل جهد موازي، فمع مرور الوقت سيحدث خلل في ميزان العلاقة بين الطرفين، فينبغي أن يكون الاهتمام بالمرأة والرجل على السواء وخاصة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية طاحنة تؤثر سلبا على المجتمع بأسره وليس فئة دون غيرها.
لهذا فإن قصر الاهتمام بالمرأة ليس في صالح قضية المرأة، حتى لا تجد نفسها في نهاية الأمر فريسة لأب جاهل أو زوج مستبد!
واقرأ أيضاً:
إدمان الجنس أم إدمان التزنيق؟ مشاركات / إدمان الجنس أم إدمان التزنيق مشاركة / التزنيق الجنسي في المواصلات: هل هو ظاهرة؟