هذه المقالة الساخرة ليست عني شخصي، لحسن الحظ، بل عن جموع الشبان الغفيرة بدولنا- دول الزيت والدماء - وقرارات الرصاص المعلّب مع القمح. ماذا يعني أن تكون شابا مسلما بعام 2005؟ يعني أنك الآتي:
أن تكون ملاحقا من كل أجهزة المخابرات بالعالم، وكل يريدك لهدف وتهمة واحدة على الأقل: الأمريكي يرى بك مسلما إرهابيا. الإسرائيلي يرى بك عربيا تستحق التجزير. الفرنسي يعتقد أنك تهدد دولته وعلمانيته بإسلامك. وكل مخابراتنا العربية تراك عنصرا يهدد طبقة الأوزون وكمية الأوكسيجين بالعالم وعليهم أن يوازنونا - معشر الرجال - بيئيا... وهلم جرا.
أن تكون شابا يعني أنك ستمارس عادتك السرية لنصف عمرك وأنت ملقى بطابور الإنتظار للزواج. أن تكون شابا يعني أن تقضي ثلاث سنوات من عمرك بالجيش، تحت صرخات "استاعد" و "استارح" والركض تحت الشمس والعرق وأوامر بعض البذيئين عليك. الراتب التافه لا يكفيك طعاما من مطعم الفلافل، ولكم تبدو بريئا وأنت بملابس الجيش، تقف ببسطارك اللامع الرخيص ملتهما سندويشة فلافل سيئة. تأكلها بنهم بعيونك الملائكية الطيبة وأنت تحلم بالغد... وقد يأتي الغد.
الزواج يحتاج مالا والمال يحتاج وظيفة. الوظيفة صعبة، وما أكثر الأعذار: حصار اقتصادي، حروب، تدهور اقتصادي، عمالة أجنبية، منازعة نسائية بالعمل، آليات التمييز الإيجابي للنساء بالعمل، آليات منع التمييز ضد المرأة.... ألخ.. ألخ، آليات تنطح آليات. كلّ شيء يقف بوجهك. كلّ شيء يريد منك أن تكون "راجل" وتأكل صفعتك - أو نصيبك - وتذهب للصفعة التالية.
وهكذا يمر العمر بملاحقة الوظيفة، أو تأمل جمال البنات السافرات من خلف بقالية أبو تحسين أو أبو مروان أو أبو درويش، وهؤلاء بدورهن يتأملونك كشيطان رجيم. يمر العمر لتضحك من فكرة الزواج -وهل ستنجب طفلك الأول بعقدك الرابع؟- ولتتحول ثوراتك الجنسية لصفقات متباعدة بالنارجيلة ودمدمات أم كلثوم وهي تنشد بعاطفة تشك أنها كاذبة:
رجعوني عينك لأيامي اللي راحوا
علموني أندم على الماضي وجراحو
أن تكون شابا يعني أن أباك سيعاركك فور عدم عملك، ويسمعك النشيد المعتاد عن طولك الفارع (وكأنه ذنبك) وقلة عملك وسخرية أبي فلان منك، مصحوبة بحاجة المنزل للمال. وتخرج فعل، تبحث عن عمل، أي عمل يخلصك من ذلتك ومأساتك. لا عمل.
فجأة يقرر العم سام أو زعيمك المغوار أن يقاتل، وهكذا عليك أن تعود للجيش ولأوامر أصحاب الشوارب الكثة والزئير غير المنقطع. قد تخرج من الحرب أو لا تخرج، قد تخرج كاملا أو ناقصا بجسمك وروحك وعقلك.
الجيش انتهى، وعدت تريد أن تعمل وربما ستتزوج من فتاة لا ترغب، لكن تهمس لنفسك بسخرية "عصفورة باليد خير من 100،000 بالشوارع". وهكذا تتزوج بحفلة تعيسة تثير غثيانك. المنزل هو غرفة بمنزل الوالد، والعمل أيا كان. يوما بقال، جزار، خباز، نجار، سمكري وربما ماسح أحذية. وهل الشغل عيب؟ هل سيموت ابنك الجميل جوعا؟ وزوجتك، هل ستخرج للعمل وقد تزوجتك أصلا لأنها لم توفق بالزواج من صاحب شهادة على عكسها؟ أو أنها لا تعمل وعندها- بحال عملها- لن تتنازل بتأمل وجهك المهوم.
حسن، ستعمل زوجتك، والطفل سيكون عند جدته. تعمل أينما كانت، لكن رجاء لا تندهش: الكل يتحرش به، الكل يلاحقه، وكل برامج إعلامنا تؤلبها ضدك. أعتقد أنك تفكر بالانتحار الآن، وتعد الحجة لكي يعفو الله عنك. لكنك تقف وتحسب ثمن القبر واللحد وربما قليلا من السيارات لحمل المعزين. آه حسن، لا فائض مالي حاليا و ستؤجل قرار الانتحار.
عمرك يتقدم، الديسك بظهرك يؤلمك وأمراض أخرى تظهر.اييييه
يابو فهد، تهمس لنفسك أنك مازلت شابا وتغلب عشرة من فتيان اليوم. حق، نعم، أنت كذلك، لكنك متعب منذ عقد ليس إلا. وتستمر حياتك، والزوجة تبرد جنسيا أو تتبارد لكي ينتهي هذا الجانب من حياتك، ولتبدو رجلا به بدايات الشيب.
تمر بالشارع وأمامك أولئك الشبان الصغار اللطيفين بملابس الجيش وسندويشة الفلافل وضحكاتهم البريئة، وعيونهم الساخنة على بنت مستهترة تتفنن بتعذيب المجتمع بجمالها. آه واحذروا، من يهمس لها بكلمة فقد يسجن. انظروا وكلوا الفلافل فقط.
تكبر يا بو فهد، تكبر ويتحول عمرك للزوجة ثقيلة. القبر غالي السعر.ايه ، من أين ستأتي بمال القبر يا بو فهد؟ تفكر هكذا لتجد نفسك خارج الجسدّ. ماذا جرى؟ آه أنك ميت، لا تصدق. طبعا أبو فهد يعرف أن الموت هو حالة انتقال فقط، ليس نهاية إطلاقا. يرى جسمه ممددا على الفراش القديم. يظن الناس أنك ارتحت يا بو فهد، لكنك تتأمل جثتك كي تدفن. الابن - العسكري المنتوف - يستدين المال ليدفن الوالد. ربما سترتاح يا بو فهد. لكن فهد الغالي فهد يبحث عن وظيفة، مع أن هناك حرب قادمة وإسرائيل تهدد.
اقرأ أيضا:
من الكناني إلى بثينة كامل / مذكرات رجل ما (1) / حول مفهوم العلمنة وخطاب مجانين