السيد الدكتور وائل أبو هندي المحترم:
رداً على استغاثتك في مقالتك " تعرفي أكثر من المستر يا ماما "
أقول لك: نعم للأسف إن مثل هذا يحدث على كل المستويات وفي كل المراحل والحمد لله يوجد حيطان كثيرة نستطيع أن نخبط رأسنا بها، فالهوان وأنظمة التعليم والثقافة العامة للمجتمع وثقافة الجيل الجديد المخلوطة والمعجونة من مصادر شتى، والحائط الأشد صلابة ألا وهو أنظمة الامتحان والنجاح.
أقول لك هذا لأني مدرسة رياضيات- وأهل مكة أدرى بشعابها- ولا تستغرب إذا قلت لك أن الطريقة التي تتحدث عنها الأم (يعني إذا رأيت كذا أفعل كذا) متداولة بكثرة بين المدرسين، بل إنها طريقة المدرسين الذين يبحثون عن الشهرة والدروس الخصوصية وتجميع أكبر قدر من الطلاب حولهم، وإذا كانت الأم السائلة التي تتحدث عنها قد أدركت خطأ هذه الطريقة فإن الكثير من الأهالي يطالبوننا بها ويعتبرونها الطريقة الأفضل للتدريس.
هدف هذه الطريقة هو وضع الرياضيات في قوالب جاهزة وبدلاً من أن تكون مادة لتنشيط الذهن وإعمال الفكر تصبح الرياضيات مادة جامدة لا حياة فيها.
أذكر أنني عندما كنت في السنة النهائية من الثانوية العامة كنا نحل مسألة في الهندسة التحليلية وكان مدرسنا المشهور جداً صاحب المعهد الخاص المعروف جداً قد ملأ السبورة طولاً وعرضاً وهو يكتب الحل قبل أن يناقشنا به طبعاً!! وبعد أن انتهى قلت له يا أستاذ هذه المسألة تحل في سطرين إذا قمنا بعملية تحويل بسيطة للمتغير الوسطي فما كان منه إلا أن شتمني وبعد أن أكدت له صحة طريقتي قال أن هذه طريقة خاصة ونحن ندرس مستويات عامة ولا نهتم بالمستويات الخاصة!!
فطريقته آلية نمطية يفكر بها أي طالب أما طريقتي فهي ملتوية ماكرة خاصة بالمجانين أقصد العباقرة أمثالي. وماذا أفعل إذا كنت أحب الطرق الملتوية الماكرة في الرياضيات فقط طبعاً.
إذاً كيف يكسب مدرس الرياضيات شهرته: أقول لك بتحويل المادة إلى أنماط جاهزة على طريقة مدرسي المشهور إذا رأيت كذا افعل كذا وبدون تفكير!!
لكن دعونا نفكر هل المدرس هو وحده المسئول عن هذه الطريقة، ألسنا نعيش عصر السرعة في كل شيء، الإيقاع السريع والأغنية السريعة والأكل على الماشي، ألم يتعود أطفالنا على ألعاب الكمبيوتر التي تمكنهم من فعل أي شيء بكبسة زر، لماذا نطالبهم بعد ذلك بالتأني وقراءة نص المسألة بتمعن وفك رموزها وصولاً إلى الحل السليم، ثم هل يفكر الكبار حتى تنتقل عدوى التفكير للصغار، ثم هل مناخ مدارسنا المكتظة ومناهجنا المكثفة يسمح للمدرس بطرق أكثر فاعلية كطريقة الاكتشاف الحر والاكتشاف الموجه بدل الاقتصار على التلقين والأنماط الجاهزة، وإذا كانت أنظمة النجاح تعتمد غالباً على الامتحان الكتابي النمطي هو الآخر فلماذا لا يلجأ المدرس إذاً إلى الأنماط الجاهزة؟ حيث كلما كان المدرس أكثر قدرة على تحضير الأنماط وعلى تنميط ذهن الطالب كان أكثر شهرة وحضوراً في عالم الدروس الخصوصية المربحة.
لا أقول هذا الكلام دفاعاً عن هذا الأسلوب فأنا أول من أحاربه وهذا ما يسبب لي العناء في مهنتي لأنني أقصّر في المنهاج وأضطر إلى التطفل على حصص الرسم والرياضة حتى أعوّض وتكون النتيجة أن بعض الطلاب يسبونني –من ورائي طبعاً – ومعهم حق فأنا أحرمهم من الحصص الممتعة.
باختصار هناك ما يدعم طريقة هذا المدرس ولا تخاف يا دكتور وائل فابنك عندما يجيب بطريقة ذلك المدرس فهو لا يهلس ولا يكذب وإنما يعيش عصره في عالمنا العربي عصر السرعة في غير محلها وعصر تنميط العقول وربما القلوب أيضاً
وتحياتي
واقرأ أيضًا:
تعليقا على مقالة: رسالة إلى بثينة كامل / ما هو المستحيل في الحب المستحيل؟