كانت قد عصفت بي في الأيام الأخيرة أمواج من الأحداث، قست على قلبي ومشت على حسي، وأسلمتني إلى قاع نتن من الحزن والاكتئاب، وجثم الشيطان على فكري فلم أعد أرى من حياتي سوى وجهها القاتم ولم أعد أنظر من كأسي إلا نصفها الفارغ، وخانتني دموعي وسط الناس فكنت بالكاد أحبسها وليس الكل جديراً أن يراها .
وهرعت إلى كتب الشعر لأبحث عن الكآبة وأترنم بأشعار المكتئبين فوجدت أبا القاسم الشابي وأخذت أقرأ شعره بصوت مرتفع :
كآبة الناس شعلة
ومتى مرت ليالي خبت مع الأمد
أما اكتئابي فلوعة سكنت
روحي وتبقى بها إلى الأبد
أنا كئيب أنا غريب
وليس في عالم الكآبة من
يجد معشار بعض ما أجد
كآبتي مرة وإن صرخت روحي
فلا يسمّعنها الجسد
ويقول أيضاً: ما للصباح يعود للدنيا وصبحي لا يؤوب
مالي يضيق بي الوجود وكل ما حولي رحيب
مالي وجمت وكل ما في الغاب مغرّد طروب
مالي شقيت وكل ما في الكون أخّاذ عجيب
وأعجبني أن يتحول الحزن والألم إلى شعر موزون مقفى له جماله وروعته ولأني بطبعي غيورة قلت لنفسي لماذا لا أكتب أنا أيضاً شعراً كئيباً فألهمني اكتئابي هذا الشعر المنثور وعذراً فلا دراية لي بالأوزان الشعرية:
الكون رحب بأرجائه وأنا هنا أقبع في زاوية
في غرفتي... وقد أقمت للحزن ألف سارية
فلا تسلني من أنا.. أنا لست سوى آثاراً واهية
لبقايا إنسان... رماه الأسى لأعمق هاوية
لبقايا جسد.... والروح أضحت مزقاً بالية
فارحميني يا حياة... ألم يعد للفرح قصة باقية
وبقيت مع أبي القاسم ساعات والكآبة صفة غالبة في شعره ولكنه في الوقت نفسه يعترض واصفاً بعض الناس :
لا قلب يقتحم الحياة ولا حجّي يسمو سمو الطائر الجوّاب
بل في التراب الميت في حزن الثرى تنمو مشاعرهم مع الأعشاب
وتموت خاملة كزهر بائس ينمو ويذبل في ظلام الغلاب
ثم تهدأ نفسه فيقول:
خذ الحياة كما جاءتك مبتسماً في كفها الغار أو في كفها العدم
وارقص على الورد والأشواك متئداً غنّت لك الطير أم غنّت لك الرجم
ويعاتب قلبه الحزين:
يا قلبي الدامي إلاما الوجوم
يكفيك أن الحزن فظّ غشوم
يا قلبي الباكي إلاما البكا
ما في فضاء الكون شيء يدوم
وها هو أبو القاسم يدعوني للحياة قائلاً:
ألا انهض وسر في سبيل الحياة فمن نام لم تنتظره الحياة وبعد هذه الجولة مع أبي القاسم فتحت صندوق بريدي وكنت قد راسلت الدكتور وائل –حياه الله وأسعده دنيا وآخرة يا رب – أعرض عليه مساعدتي المتواضعة بما أستطيع لخدمة الموقع فإذا بي أجد رسالة منه يحيّني فيها بألف أهلاً ويقول لي في نهاية رسالته "روحي يا شيخة ربنا يسعدك" فأخرجتني تلك العبارة الرقيقة من اكتئابي وأسعدني أن إنساناً كالدكتور وائل يدعو لي بالسعادة وهو لا يعرفني أصلاً وحمدت الله أن جعل لنا الإنترنت لنتواصل مع أشخاص طيبين ورائعين ككل هؤلاء الأصدقاء على الموقع.
أنا ما زلت كئيبة , أحاول رويداً... رويداً... أن أسترجع نفسي التائهة وسط بحور الألم... أن ألتقط تلك الومضات القليلة السعيدة في حياتي لأعيد بناءها بصلابة وأجعل منها قوة تقهر اكتئابي.
اقرأ أيضاً:
هل نمارس الحياة أم نستحق الحياة/ تعرفي أكثر من المستر يا ماما مشاركة/ تعليقا على مقالة :رسالة إلى بثينة كامل