طال الفاصل ليمتد إلى كل الرحلة، وصلت إلى هذه المدينة الجميلة ظهر الخميس، وأغادرها صباح الثلاثاء.
طبعا خدعوك فقالوا أنه يمكن اختصار مدينة في كلمتين: دعارة ونشل!!!
طبعا هناك هؤلاء الفتيات اللائي يتسكعن في مدخل الفندق أو قد تتجرا إحداهن فتنادي عليك مرة أو مرتين، وأنت تدخل إليه مساء، وهناك نوادي ليلية تجتهد في الدعاية لنفسها بالطرق المعتادة، ولكن هذا يحدث في كل مكان في العالم تقريبا، أقصد حيثما كان هذا النشاط قانونيا وعلنا.
بودابست الجميلة بشوارعها الواسعة تكاد لا تسمع فيها صخبا يذكر، ربما غير بوق عربات الإسعاف العالي والمزعج، ستجد بين كل محل لبيع الكتب والمكتبة القريبة جدا منه مكانا يبيع لوحات فنية، أو مدرسة لتعليم الموسيقى، وستجد محاولات واضحة لتجديد واجهات المباني، وإصلاح الشوارع الرئيسية الواسعة، وحتى الجانبية الأضيق، ستجد مدينة كأنها تستكمل استعدادها للاندماج في بقية أوروبا المتحدة،
وستجد مدينة ما زالت تشهد لحظة تحول حقيقية، وستجد شعبا هادئا ومتواضعا في أغلبه لا أستطيع أن أنصح أحدا أن يأتي هنا في الصيف فالجو حار فعلا، وتفاعل الناس هنا مع الحر ربما لن يعجب البعض، مثلما كان أحد أصدقائنا المشتركين في الحوار أو الندوة التي حضرتها لا يمل من ترديد كلمة الله يخرب بيوتكم، "منكم لله" "يا ولاد......"، ولو كنت معنا لوجدت وعرفت السبب من أول نظرة!!! نعم... تكفي النظرة الأولى!!!
الطعام هنا يروقك إذا كنت تحب الخضروات المطبوخة باللحم، والوجبة المشهورة هي خليط مطبوخ من البطاطس والجزر وما شابه مع لحم العجول المقطع، وتسمى "جولاش"، ومنها مرق مشابه، وفاكهة "الكرز" رخيصة جدا، وتدخل في أطعمة كثيرة، بل توضع ضمن المشهيات أحيانا!! وأنا أحب هذه الفاكهة، واكتشفت أيضا أنني أحب المرق بشكل عام.
كما هو متوقع يبدو أن أهل البلد يشربون الخمر كثيرا، وهو جزء من الثقافة والحياة الغربية بشكل عام ومزمن، بحثت عن غطاء رأس واحد، أي فتاة أو امرأة ترتديه، ولم أعثر إلا على واحدة قبل سفري بيوم، وهممت أن ألحق بها لأعرف من أي البلاد هي، وكم تبلغ أعداد المسلمين هنا؟!!
أغلبية الناس لا يهتمون بالدين، والكنائس تحولت إلى مزارات سياحية، ولا أريد أن أسقط في التعميم!!!
سأحاول أن أبحث عن صور لأهم معالم المدنية لكن بشكل عام هناك ميدان الأبطال، وهو ساحة واسعة وجميلة ينتصب وسطها عمود طويل يستوي على قمته تمثال لامرأة تحمل في يدها تاج المجر، والمجر كانت مملكة واسعة وحضارة ممتدة حتى وقت قريب سأحاول أن أستخدم محرك البحث "جوجل" لأعرف المزيد عن تاريخ المجر التي بقى فيها العثمانيون قرابة القرن ونصف القرن!!!
ومر فيها السوفيت خلال الحقبة الشيوعية التي بقيت آثارها في نفس المعمار القبيح، والتماثيل الضخمة التي أقاموا لها هنا متحفا في الهواء الطلق، هل هذا هو مصير الشيوعية؟!!!
هناك أيضا جهود حثيثة وواضحة لجذب سياحي يستفيد من إمكانات هذا البلد الجميل، وهناك ما توقعته من صعود لطبقة جديدة، وحيرة رآها مرافقنا على الوجوه فقال: يحتاجون هؤلاء إلى تحليل نفسي منك، فلا أستطيع الحسم هل ما على وجوههم ملامح للسعادة بالتحرر من الشيوعية أو الحزن والهم لأنهم الآن تحت ضغوط أخرى،!! فقلت له ربما هذه هي ملامح الحيرة في مراحل الانتقال!!!
آه... هل سأغادر قبل أن أتحدث عن "الدانوب" هذا النهر الرائع الذي يقسم العاصمة إلى جزأين :"بودا" "بست"، ويتدفق حاملا بعض السفن والبواخر، ويعطي المدينة سحرا خاصا، ويعوض بعض الشيء عن غياب أية سواحل للمجر كدولة!!! أحببت هذه المدينة، أحببت الدانوب وأحببت السوق المغطى النظيف، والذي يضم كل شيء تقريبا تحت سقف واحد، وأحببت هؤلاء الناس في حيرتهم، وفي محاولتهم ليصنعوا من أنفسهم شيئا في عالم صعب فعلا، وددت لو أن الدنيا شيئا نتشارك فيه معهم، لكن بيننا وبين ذلك أن نفهم أنفسنا أولا، ونفهم غيرنا!!!
واقرأ أيضا:
مسار الثورة: ثورة ضد الثورة!!!/ مسار الثورة: التشويش/ ساعة الصفر : مصر الخضراء ممكنة فورا/ حلو الشام/ مسار الثورة: رقعة الشطرنج/ من 25 إلى 25 ثوار مجانين!