كراكيب(2): يوم استيقظت على الحقيقة
عبوري لحاجز سن الأربعين تميز بالكثير من التغيرات على المستوى النفسي، ومن أهم هذه المتغيرات حساسيتي الشديدة لأي إهدار للطاقات فيما لا يفيد ولا يجدي، أي هدر للطاقات المادية والمعنوية والنفسية يمثل عبئا لا تحتمله نفسيتي ذات الحساسية المفرطة، ولأننا في الأصل مستَهلَكِين دوما وندور في ساقية الحياة معصوبي العينين؛
نتصور أننا نقود عربة الحياة ولكن الواقع يثبت لنا دوما أنها هي التي تجرنا... أو فلنقل تسحلنا وراءها بدون هوادة أو رحمة، ومن دروب الحياة اخترت أحدها محاولة أن أرسم بقلمي صورة تبين مقدار المعاناة النفسية التي أتعرض لها مع هدر طاقتي الجسمانية والنفسية ووقتي وأموالي ومعها طاقات طلبتي وبعضا من زملائي وزميلاتي، ويحدث هذا أثناء ممارستي لمهام عملي كأستاذ مساعد في إحدى الجامعات، ولن أتحدث عن الطاقة المستهلكة في الاختلاف مع حراس العهد القديم حول أمر من أمور العمل، ولن أتحدث عن الضغط النفسي الذي نتعرض له ونحن نعامل على أننا ما زلنا صغارا!!! ولا يحق لنا أن نبدي رأيا أو نتخذ قرارا، والمهم أن نشارك في دولاب العمل اليومي ونتحرك حسب ما تعودوا هم عليه منذ سنوات وكأننا قطعا من الشطرنج، ولن أتحدث عن الوساطة والمحسوبية "وتعال يا حبيبي سلم على أونكل أو طنط، أو عن الأستاذ اللي بيتخانق لما ننوس عينه ينقص نص درجة"، ولن أتحدث عن الفساد المالي والإداري، ولكنني سأختار من كل الأعمال نشاطين فقط:
أولهما: الامتحانات بكافة أنواعها والتي لا تقيس إلا قدرة الطالب على الحفظ واسترجاع المعلومات، فجهد الطالب وجل وقته طوال العام مهدر في حفظ واستظهار المعلومات، وعلينا نحن أن نصحح أكواما من الورق "دلق" فيها الطالب كل ما يحويه عقله من صفحات الكتاب المقرر "كتاب رئيس القسم عادة والفرخة التي تبيض ذهبا كل عام"أمامي كومات من الأوراق... على أن أقوم بتصحيحها... كلمات.. وكلمات فقط، ولا يوجد معيار واحد يتبعه الكل للتقييم وبالتالي يتم تقييم الطلبة والتفريق بينهم على أساس مستوى الحفظ، ولاختلاف المعايير بين أستاذ وأستاذ، وبين نفس الأستاذ في أحواله المزاجية المختلفة... فإن النتيجة تصبح كارثة بكل المقاييس... فالعدل مستحيل في ظل هذه الظروف، وعندما نطالب بالتغيير حتى تصبح طرق التقييم أكثر موضوعية وفي مصلحة الطالب الماهر والطالب الفاهم... يأتينا الرد من حراس النظام القديم... برفض التغيير والحجة أننا إذا كنا ظالمين فإننا نثق في عدل الله وهو سبحانه سيعدل بين البشر!!!!!!!!!!!!!!
والنشاط الثاني يتمثل في الدراسات والأبحاث التي تتم للحصول على الدرجات العلمية المختلفة، والتي يدعي البعض أنها أبحاث علمية "بحث علمي إيه ياعم... قول يا باسط وسيبكم من الكلام الكبير ده"، فالبحث العلمي كما أعرفه لابد أن يكون له قيمة وعائد ومردود على المجتمع، ولكن نظم التقييم عندنا ولجان الترقيات لا تقيم الأبحاث إلا على أساس التزامها بالشكليات، وعلى أساس كم التقنيات الحديثة التي تم استخدامها في البحث حتى لو كانت تلك التقنيات مكلفة جدا وغير عملية ولا يمكن استخدامها روتينيا في التشخيص أو العلاج، وبالطبع لا يوضع عمل الفرد وإنجازه في خدمة العملية التعليمية في الحساب، وبالتالي فالكل عازف عن بذل الجهد في هذا المجال الحيوي إلا من رحم ربي وقليل ما هم.
واقرأ أيضا:
سب النبي .. هل هو حقاً / حكايات بنت الفرات ..الزواج الثاني, مشاركة / حكايات بنت الفرات: مواقف مؤثرة(2) / حكايات بنت الفرات لغة الجيل الجديد / حكايات بنت الفرات: الأخوّة في الزواج الثاني