كلمني طارق الكاشف (المسئول عن أوربيت بالقاهرة) ليبلغني أننا سنذيع على الهواء مباشرة حلقتين من برنامج القاهرة اليوم من مدينة شرم الشيخ فأثنيت بشدة على جمال الفكرة وأهمية أن تنتقل قناة فضائية بطاقم فنييها وضيوفها ومذيعيها في أعقاب تلك الضربة الموجعة.
وبالفعل قدم الزملاء حلقتين مثاليتين واجتهد طاقم التقارير فأبدع أفكارا شديدة التأثير والبهجة في نفس الوقت وهم يسلطون الضوء على نماذج مصرة على البقاء وإعادة الحياة إلى شرم الشيخ التي طالما ذهبتُ إليها فأحسستُ بأنني خارج مصر حيث كل لغات العالم تختلط في حماسة وانطلاق.
المهم أنني في اليوم التالي أُبلغت بأننا سنتوجه في وفد من الفنانين والإعلاميين بتنظيم من هيئة الاستعلامات في زيارة صد رد إلى شرم الشيخ وتحمست للفكرة وإن خالجني الشعور أو التوجس الداخلي من أن أبدو كموظفة تنفذ أوامر رؤسائها في مواجهة موقف يستدعي المبادرة والصدق في الفعل حيث إنني لم أكن يوما أداة أو شيئا يحركه الآخرون مع التزامي التام بالمهام الوظيفية التي أُكلف بها ولكن تلك ليست بمهمة تفرضها على مستلزمان الوظيفة بأي حال من الأحوال.
المهم تضمن البرنامج في بدايته زيارة لموقع الانفجار الأضخم بفندق غزالة جاردن وإذ بالموظفين قبل نزولنا من الأتوبيس يوزعون علينا أعلاما وكأننا أطفال في مظاهرة مدرسية ثم انتقلنا إلى موقع الانفجار الثاني بالسوق العربي كان كل همي أن ألتقي بأصحاب المحال التي طالتها التفجيرات فحكوا لي عن الموسم السياحي الذي انتهي قبل أن يبدأ ورغبتهم في إزالة حطام السيارات المتفجرة حتى يستطيعوا التخلص من الكوابيس التي تؤرق مضاجعهم فقد شاركوا جميعا في جمع الأشلاء المتناثرة ووصفوا لي كيف كانت الأرجل والأدمغة تتطاير في الهواء وأيمن سائق السرفيس صديقهم التي كانت سيارته على مقربة من السيارة المفخخة فمات كل راكبيه وأخرجوه مبقور البطن وكوابيس مفزعة عن الأمخاخ التي عبأوها في أكياس والطفلة التي لملموا كفها بجانب رأسها وكيف تألموا لخبر نُشر بجريدة قومية عن القبض على عشرين مشتبه به من العاملين بموقع الانفجار بينما لم توجه إليهم أية تهم فقط أُخذت أقوالهم كشهود عيان وكيف أن السيارة لم تكن تستهدف السوق بل كانت متوجهة إلى منطقة الفنادق لولا كمين غير دائم عطل مسيرتها فأفشل خطتها
إذن لم يكن هذا الحادث موجها ضد المصريين كما حلله بعض الخبراء وسمعت حكايات عن الفشل الأمني وعن عدم الرغبة في الاستماع إلى الكلام والتصريحات بل هم يريدون أفعالا تعوض خسارتهم فهم لم يروا مؤشراتها بعد وتحدثت مع سائح بلجيكي وأخبرني بأنه سيكمل إجازته وسيعود العام القادم فلابد أن تنتصر إرادة الحياة في وجه الموت وعدنا إلى الفندق انتظارا لمسيرة الشموع عند هبوط الليل ففوجئت بوجود سائحين على الشاطئ وفوجئ معي صديق يعمل في شرم الشيخ أتي لزيارتي وعلقنا معا علي ذلك بأن الناس (طبعا ليس كلهم) لم يعودوا بنفس الدرجة من الفزع وأنه أمام الإرهاب مازال هناك بشر راغبون في المواجهة بفعل البقاء .لكن المشكلة أن بعض الدول مثل إيطاليا منعت الرحلات نهائيا إلى شرم الشيخ ورأى البعض أن الأمر يستلزم تحركا دبلوماسيا لإلغاء مثل هذه القرارات.
وعند خروجنا من الفندق وقف العاملون يودعوننا وينادوننا بالاسم ألا قفوا بجانبنا فنحن بحاجة لمساندتكم. واليوم أصطحب زوجي وابنتي كي نقضي عطلة نهاية الأسبوع في شرم الشيخ.
اقرأ أيضاً:
الفتاة ذات النظارة الطبية / كيف نصبح أنفسنا