أن أصبح نفسي هو طموحي الداخلي ولابد أن يكون كذلك لكل منكم. ولكن هل هذا أمر سهل ؟ لا لم يكن كذلك أبدا فهو ممشى طويل محاط بالتساؤلات والعراقيل والأوهام أيضا.
أول خطوة فيه تتطلب الاعتراف والتوافق مع معطياتنا الأساسية (نوعنا،اسمنا،عائلتنا،عقلنا الباطن) كل ذلك ضروري قبل أن نستطيع ترك أكثر أجزاء ذواتنا تتفتح. ولكن ما هي نهاية هذه الرحلة الداخلية وما مكاسبها؟ المكسب هو أهم ما في الوجود.. أن نعيش حياتنا بدلا من أن نكابدها.
وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الحرية لطرح والإجابة عن أسئلة صعبة مثل.. ما هو الحقيقي فيّ أنا؟ من يختار لي؟ أي من القيم التي أرددها هي قيمي الحقيقية؟ هل رفضي يقربني أم يبعدني عن نفسي؟ هذه التساؤلات يسميها عالم الاجتماع آلان ايرينبرج صاحب كتاب "مشقة تحقيق الذات" "ديناميكية التحرر" فبالنسبة إليه "مطالبة الناس بالطاعة أقل من مطالبتهم بالقدرة على الابتكار، ومطالبتهم بالخضوع للقيود أقل من مطالبتهم بتحقيق الذات" فتحقيق الذات يفترض أولا التوافق مع ميراثنا.
فنحن نعلم طبقا لفرويد، أن الذات ليست جزيرة بكر لم يمسها أي تأثير خارجي إنها تنبني من تاريخ عائلي في زمن معين في العقل الباطن. والأمر يستلزم معاناة البحث في تاريخنا الشخصي لكي نتفهم عقدنا ونحاول حلها لكي نستطيع أن نقول بملء فمنا "أنا" ونتحمل ماضينا.
لذلك لا يمكن تحقيق الذات دون إجراء جرد بالشكل الذي يناسبنا ودون عملية فرز دؤوبة طوال حياتنا. كأن نتساءل"هل التعليم الذي تلقيته يصلح لأبنائي؟ هل نضجت في زواجي؟ هل أسلوب حياتي يناسبني؟ إذن فالقيم التي نتمسك بها أو نرفضها كذلك الاختيارات التي نقوم بها هي قطع تكون وتؤكد تفردنا مع مرور الزمن.
من هذا المنظور فإن الجرأة على تحقيق الذات تعتبر الاختيار الواعي لكل ما نراه صالحا لنا ورفض كل ما يبعدنا عن الكمال أو ببساطة يؤلمنا. وهكذا فإن راحتنا أو شقاءنا هما المؤشران الرئيسيان لعلاقتنا مع أنفسنا بل يمكن أن نقول "حيث أحقق رغبتي، أنا موجود".
لكن هذه العلاقة الحميمة مع ذاتنا ترتبط كذلك بعلاقتنا بالآخرين. إن الذات الكسيحة مثلها مثل الذات المتكلفة ليست فقط جهل بالنفس ولكنها أيضا منبع علاقات مستعبدة أو مفتعلة مع الغير.بينما العلاقة الصحية والواعية مع الذات تبقى أفضل ضمان لعلاقات إنسانية أكثر راحة وأكثر صدقا. فكلما تقدمنا في معرفة وتأكيد الذات كلما خففنا وزن شكوكنا وكبتنا.
ولكن هذا الطريق لا يخلو من مخاطر التمحور حول الذات. لذلك فإن تحقيق الذات يعرضنا لخطر مزدوج بمعنى تنمية تفردنا وتميزنا دون التحول إلى التركيز على الذات أو الأنانية. بين مذهب الذاتية ونكران الذات فإن الطريق إلى تحقيق الذات ضيق وشائك. ولكن العثور عليه يبقى أحد الشروط الضرورية لكي لا نهدر حياتنا الخاصة.
اقرأ أيضاً:
من شرم الشيخ / شرم الشيخ تاني