لا أذكر هل هو ديوان شعر أم هي مجموعة قصص، وعلى الغلاف العنوان: ركعتان للعشق، ولم أشتر، ولم أقرأ، ولكن لعله يقصد أن العشق صلاة وجدانية، ونفحة علوية، ونعمة ربانية تستحق صلاة الشكر للرازق الوهاب.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة يوما فسألهم: ما الإيمان؟! ثم تركهم ودخل إلى بيته، وعاد إليهم بعد قليل منتظرا الإجابات التي تنوعت، ولكنه اختار من بينها ما أراد أن يلفت إليه من معاني الإيمان، فرد على أحدهم الذي قال: الإيمان هو الحب والكره، فقال الرسول: وهل الإيمان إلا الحب والكره؟!
وبحر الحب واسع بلا شطان، وبلا قيعان، ومن أسخف ما نعيش أننا اختصرنا معانيه ومستوياته ودوائره على حب الرجل للمرأة، وحب المرأة للرجل/ وهذه درجة ولفتة وظاهرة إنسانية هامة للغاية، ولكنها أبدا ليست كل الحب!!
وكنت قد صاحبت صديقا أستاذا جامعيا إيرانيا أكد لي أن أحلامي وخيالاتي عن إيران وأهلها هي حقيقية وزيادة، وعندما التقيت هذا الصديق منذ عامين أو ربما يزيد، وظللنا طوال أيام المؤتمر الذي كنا نحضره في أوزبكستان – توقفوا عن القول بأنني أسافر كثيرا، فقد ضاع جواز سفري من كثرة حسد الحاسدين!! - ظللنا نتكلم ونتكلم في أشياء كثيرة، وفي طريق عودتنا نزلنا على محطة عودة مشتركة، وكانت استانبول التي يعرفها هو أكثر مني، وتجولنا في شوارعها معا، وتكلمنا، وما أجمل وأروع السير في شوارع تلك المدينة الجميلة العريقة بكل زخم الذكريات والحنين لأيام المجد، وما أروع أن نتكلم عما تكلمنا فيه، ومنه العشق، وفي الفارسية فإن نفس الكلمة هي نفس المعنى: "عشق"، وقال إنه في تراثهم أن من أحب امرأة بصدق وعمق كان حبه هذا – أو ينبغي أن يكون سبيلا للتعرف على حب الله بصدق وعمق، وكأن عشق المخلوق بنقائصه يحرك الأداة، ويضرب على وتر فيتحرك عشق الخالق بكماله في القلوب.
لكن هذا الحب أو العشق الذي يروي عنه التراث الفارسي والشيعي ليس مثل الكثير من قصص الحب المتداولة في عصرنا هذا.
وبمناسبة عصرنا فغنه قد صار إليكترونيا بامتياز، وليس هذا شيئا أو جيدا في حد ذاته، ولكنه توصيف ورصد.
كنت في "بودابست" وصعدت إلى جبل مرتفع سيرا على الأقدام، وهناك بين الأشجار، وجدت شابا وفتاة في الظل، كان يعبث في شعرها، ويلمس خدودها، ويلثم أذنيها، وكانت هي تتحدث في المحمول!!!
إنها الرومانسية الجديدة!!! دخلت التقنيات إلى حياتنا، وصارت شريكا حاضرا حتى في أشد اللحظات إنسانية، أو في أكثر اللحظات حميمية، ولا استبعد انه إذا أجريت دراسة لوجدنا أن الكثيرون يصطحبون معهم الهاتف النقال أو الكمبيوتر النقال إلى الفراش، في وجود الطرف الآخر: الزوجة أو الزوج!!!
وتستخدم هذه التقنيات على نطاق واسع جدا في نقل الرسائل العاطفية والجنسية، والاتصال بالشات وغيره، وفواتير الهواتف النقالة بالمليارات، ولا أعتقد أنها تنصرف في الكلام عن العمل إلا في اقل القليل، ووجود هذه التقنيات له تأثيرات على شكل العواطف والاستجابات، والمشاعر والتصورات.
وزمان كان العاشق يضع وردة حمراء في عروة الجاكيت، أو تضع الفتاة منديلا ابيضا على حبل الغسيل للتعبير عن حالتها المزاجية، أو للتحذير من أن أهلها في البيت، وبالتالي فإن المناخ والظرف لا يحتمل أن يتسكع فتاها تحت النافذة... الخ أما الآن فلا منديل ولا ورود بل أحلى الرنات والمسجات والصور والقصائد المنقووووووووولة كما يقولون. وأستطيع أن أقول أن عشقا جديدا يولد الآن، مختلفا عن المعتاد، ولا أدري كيف يمكن أن ندرس ظاهرة كهذه!!!
كان يرن لها رنة حين يريد مقابلتها على الشات، وترسل له مسج من آن لآخر فيرد بمسج، وتوفيرا للنفقات أرسلت له مؤخرا تقول: أعطي رنة لطلب الشات، ورنتين للتعبير عن الشوق.
*اقرأ أيضاً:
على باب الله جواز سفر/ على باب الله: الطريق إلى بودابست/ / على باب الله بودابست/ على باب الله: وداعا بودابست/ على باب الله: بنية وبيئة/ حوار مع أ.د أحمد عكاشة(3)