ما زلتُ أذكر وأنا طالب في المرحلة الإعدادية.. كان والدي رحمه الله يحفزني دائمًا بالكلام عن نبوغ طه حسين بالرغم من عدم إبصاره وعبقرية العقاد.. وفدائية الزعيم مصطفى كامل منذ نعومة أظفاره.. وشجاعة الزعيم سعد زغلول.. وكنت أتخيل هؤلاء العمالقة وكأنهم جبال شامخة.. تراودني صورهم دائما في مخيلتي.. وحينما أصبحت في المرحلة الثانوية.. كنت أقرأ للمنفلوطي النظرات والعبرات.. وكنت أتأثر جدًا كلما قرأت قصيدة من شعر المهجر لإيليا أبو ماضي.. والتي مازالت فيروز تشدو ببعضها الآن.. ولما دخلت كلية الطب.. كان كتاب التشريح بتاع الوزارة والذي يقرأه كل طلبة الدفعة هو كتاب الحاج كننجهام.. وهو مؤلف من2000 صفحه ولما أتزنقنا آخر السنة في المراجعات النهائية..
سمعنا أن طلبة القصر العيني ظهر عندهم كتاب ملخص للتشريح لمؤلف مصري اسمه نور الدين.. وكان كتاب من 800 صفحة بس.. إجري ياجدع منك له على مصر هاتو كتاب نور الدين.. وراجع يا جدع منه ليلة الامتحان ورقعت الامتياز المتين في التشريح.. ولما وصلت البكالوريوس.. كان كتاب الدكتور صبيح رحمه الله هو مرجع الجميع في علم الجراحة وهو كتاب من 3000 صفحة تجمع علم الجراحة العامة.. وكان يحتوي على عمليات جراحية تحمل اسم الدكتور صبيح الذي كان مازال وقتها على قيد الحياة.. وأذكر أنه زار مرة المنصورة ليحضر امتحانات الدكتوراة.. وحينما رأيته.. خفق قلبي بعنف فقد رأيت باشا بمعنى الكلمة.. باشا في العلم والأخلاق والتواضع..
""إيه لزمة الكلام ده ياعم الحاج ماتخلص وتجيب م الآخر أنت هاتحكي لنا قصة حياتك.. هوه إحنا ناقصين أفلام هندي...؟؟؟"" آسف جدًاااا معلش........
الموضوع بقه إنى كنت بتكلم مع ابني 13 سنة من يومين.. قلت له إيه عشان أحفزه برضه...؟؟؟ عارف يا أحمد نابليون بونابرت وهو ف سنك كان الأول على كل طلبة باريس.. فقال لي أيوه عارف يا بابا.. بس وهو ف سن حضرتك كان إمبراطور على فرنسا كلها...
أنا.. وشي.. زنهر.. ووداني احمرِّت.. ولم أستطعْ الرد فجوابه منطقي ابن ال......
ولكنني أقسمت بيني وبين نفسي أن أظل وراه حتى أفحمه.. فقلت له في جلسة أخرى.. ناصحًا له بالنوم مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا بدل السهر طول الليل مع البلاي أستيشن والقيام من النوم العصر ..
-عارف ياأحمد العصفور اللي بيقوم بدري من النوم.. بيلقط الدودة قبل زمايله اللي لسه نايمين..
فقال لي بمنتهى الهدوء الوقح: دي مش مجدعة منه يابابا...دي خيبة من الدودة اللي صاحيالي من بدري تتمرقع على ورق الشجر..
وكاد الشرر يتطاير من عيني واهتزت أمامي أعوام عمري الخمسة وأربعين وأنا لا أجد ما أرد به على هذا الفسل ذو الثلاثة عشر عامًا....؟؟؟؟
عملت اجتماعات مغلقة مع نفسي.. وقضيت أسبوعًا كاملاً في التفكير.. وأخيرًا اهتديتُ إلى ما سوف يجعلني أفحمه بحق وحقيق.. فقلت له ذات مساء:
-تعرف ياأحمد أن طاعة الأهل مهمة جدًا لحياة الفرد؟ عارف حكاية الخروف الذي لم يسمع كلام أمه وشرد بعيدًا...فأكله الذئب.. وراحت حياته..
فتنهد في أسى.. واستبشرت خيرًا.. أخيرًا أقنعته.. فقال لي:
-بابا.. وهو يعني لو كان سمع كلام أمه.. ماكنا هاناكله إحنا.. كده كده متاكل...يعيش حياته على كيفه بقى..
وانتفضت خارجًاااا من المنزل ولم أعد إلا في المساء.. وفور عودتي ناديته بحنيّه.. تعالى يا أحمد.. أنا عايز أحكيلك قصة شمشون الجبار وحكيت له القصة وكيف كانت قوه شمشون تكمن في شعره الطويل جداااا.....إلخ...وكان الواد منصت إليَّ جدااا وكل نظرات عينيه تدل على الإشفاق عليَّ مش عارف ليه؟؟؟؟؟ وبعد ما انتهيت من القصة حبيت أختبر مدى تركيزه معايا.. فقلت له إيه بقى الحاجة اللي كانت عند شمشون.. وتختلف عني؟؟.. وأشرت إلى رأسي كي أسهل عليه الإجابة فقال على الفور: العقل طبعًا يا بابا.. وتركني وانصرف.
وقلت لنفسي بهدوء يسبق العاصفة....وجهة نظر برضه......
وانصرمت عده أيام.. وقد عقدت العزم أن أناقشه في مسألة كبيرة تتناسب مع تفكيره الذي يسبق سنه ككل جيله.. وقلت له ساعة عصرية وأنا أشرب الشاي: تفتكر يا بوحميد.. ليه الدولة بتعتبر الضريبة التي تأخذها من بائعي الكلاب النادرة.. ضريبة غير مباشرة.. بينما التي تأخذها مني عن العيادة ضريبة مباشرة.. فقال بمنتهى الثقه: لأنها تؤخذ من البائع.. مش من الكلب مباشرة يا بابا..
قمت من مقامي.. أخذت قرص مهديء قوى.. واتخمدت.....!!!!!
ويتبع >>>>: عيال صايعة..... بس عندها منطق!1
واقرأ أيضاً:
ليست شرم الشيخ وحدها.. ياريس.. / خلى بالك من عيال اليومين دول