على مدى ست سنوات كاملة كان إبراهيم عيسى يكتب سؤالا لحوحا لجوجا ضمن الأسئلة التي كان يعدها لأطرحها على ضيوفي من الأطباء النفسيين الذين أستضيفهم في برنامج أرجوك إفهمني الذي أقدمه على شبكة أوربيت مهما اختلفت عناوين الحلقات ولم يقتصر إلحاحه على الأسئلة التي يكتبها للبرنامج بل واصل فكرته في مقالاته وكنت وأعترف بذلك، كثيرا ما كنت أتجاهل سؤاله حول إمكانية أن يصاب مجتمع بأكمله بمرض نفسي واحد؟ واليوم ومن خلال تجربة مرت بي الأسبوع الماضي أُثبت أن مجتمعنا المصري، أو على الأقل ناشطوه مصابون بآفة عدم الأمانة....
وتبدأ القصة بحديثي التليفوني الصباحي مع الكاتبة فتحية العسال عقب نشر توقيعها على الرسالة التي بعثها مائة وخمسون مثقفا إلى الرئيس مبارك يطالبونه فيها بعدم قبول استقالة وزير الثقافة فاروق حسني ودار بيننا حوار طويل عن من ينادون بالديمقراطية وينتهكونها ومن يحللون في كتاباتهم الظواهر السلبية ثم يمارسونها وأكدت لي أنها تقوم باتصالاتها لتكذيب واقعة توقيعها على تلك الرسالة التي تتناقض مع مواقفها المعلنة المتضامنة مع ضحايا محرقة بني سويف فشجعتها على ضرورة فضح تلك السلوكيات التي لا تليق بمن نحسبهم مثقفين ثم فاجأتني في نفس اليوم إحدى صديقاتي بإشادتها بشجاعتي بالتوقيع على بيان حركة أدباء وفنانون من أجل التغيير حول محرقة بني سويف ففاجأتها بأنني لم أقرأ ولم أوقع على هذا البيان خاصة وأني لست عضوة في هذه الحركة وأن كل المناسبات التي شاركت فيها لا تعني انتمائي إليها وإنما هي بالأساس تضامن مع ضحايا وأهالي ضحايا محرقة بني سويف ولا أدري حتى الآن من الذي أعطى لنفسه حق التوقيع باسمي دون استئذان لأقبل أو أرفض فأجابتني صديقتي إن ما حدث معك يهز قناعتي بصدقية أي اسم ورد في قائمة التوقيعات وبعد ذلك عرفنا أن الأستاذ نجيب محفوظ لم يوقع على الرسالة وغيره كثيرون وكذلك في البيان المعاكس والنتيجة أن المعسكرين يمارسان نفس السلوك وأننا في الديمقراطية مازلنا نونو...نحبو.
وأنتظر اليوم الذي ننضج فيه وأنتهز الفرصة وأضم صوتي للأستاذ نجيب محفوظ وأحي الوزير فاروق حسني على تقديم استقالته وكنت أتمنى لو فعل وزيرا الداخلية والصحة نفس التصرف المتحضر وألفت نظر دكتور عوض تاج الدين وزير الصحة إلى الإهمال الذي شهدناه في مستشفي أم المصريين من قبل الأطباء قبل الممرضين وفي غيرها من المستشفيات التي تم نقل المحروقين إليها فتوابع المحرقة ليست بأقل هولا وفظاعة فحال مستشفياتنا الحكومية مؤسف مسبقا.....
ومن الأحداث الهزلية المبكية أن إحدى الأمهات ادعت أن ابنها قد احترق في حادثة بني سويف كي تضمن له الرعاية لكن هذا الفتى توفي دون تلقي الرعاية التي انتظرتها أمه كأحد ضحايا تلك الحادثة التي لقيت اهتماما من وسائل الإعلام وكم من تفاصيل تكشف بؤس ويأس المصريين.
اقرأ أيضاً:
شايفينكوم مُزّة / أفكارنا السلبية ضرورية؟