في وصفها لرفض الرئيس استقالة وزيره للثقافة كتبت "المصري اليوم" في المانشيت الرئيسي: "فاروق حسني كما كنت"، وهو تعبير عسكري مثل محلك سر وغيرها من الألفاظ العسكرية التي نستعملها يوميا.... في حياتنا المدنية والعامة.
ولمن جربوا الميري – كعمل أو فترة التجنيد الإجباري – قدرة أكبر على فهم المعالم المحددة للطريقة العسكرية في التفكير والتسيير والتصور والتنفيذ، فالعقلية أو الذهنية أو النفسية العسكرية مثلا تهتم بالشكليات والمظاهر والطقوس والتراتبية الهرمية في هياكل الرتب والأوامر وهي بالطبيعة لا تقيم اعتبارا يذكر لأي نوع من الحوار الديمقراطي الحوار الديمقراطي أو التنوع في الرأي فضلا عن المخالفة فيه، بل الآخر المختلف عندها هو محض عدو، والخروج عن الخط الرسمي الواحد والوحيد هو تمرد!!!
وعلاقة العسكرية بالعنف اللفظي والمادي مفهومة طبعا وهي تتعامل معه بوصفه الوسيلة الأمثل لحل التناقضات، وتحقيق الإنجازات وإحراز الانتصارات والعقلية العسكرية ليست معنية بإنتاج معرفة ولا إبداع ثقافة ولا إدارة تنشئه على قيم أو تكوين تفكير أو إنسان على غير السمع والطاعة والأخذ بالأحوط حفاظا على الأمن والاستقرار، والبحث عن وسائل السيطرة والتحكم حتى لا يفلت زمام الأمور، وكل ما عدا ذلك هو –عند هذه العقلية– مقدمات فوضى غير مأمونة العواقب.
ويستطيع كل منا أن يسترسل في الوصف والرصد للعالم، هذه العقلية التي تحكم حياتنا وتصرفاتنا في كل دوائرها ومجالاتها، فهي لا تقتصر على نخبة أو قيادات تملأ مؤسساتنا المدنية بعد تقاعدها من العسكرية ولا هي مجرد أسلوب أو طريقة إدارة حكومية.. بل هي نمط تفكير وحياة يسود في كل شبر من حياتنا، ويعاد إنتاجه وتدويره في بيوتنا ومساجدنا وكنائسنا، ومؤسساتنا التعليمية والبحثية والثقافية وغيرها:
منظومة قيم وحركة قائمة على السمع والطاعة، والخضوع للرتبة الأعلى، والمهم شكلك وأوراقك تبقى في السليم، ومش مهم أي حاجة تانية!!
يعني الكذب والنفاق وخداع الذات والآخرين واللف والدوران واللوع، بلا حقيقة... بلا حوار.. بلا إبداع... بلا تغيير.. بلا فلقة !!!
وتكتمل الكارثة – وطبيعي أن تكتمل على هذا النحو – بالسيطرة الأمنية على كل نشاط في بلادنا...
الأمر الذي كفاني الحديث عنه إبراهيم عيسى في مقاله السابق بالدستور، وهو ما أضيف إليه:
أنه لا يكفي أن يتم تفكيك جهاز أمن دولة، و (يبقى يوريني كده مين اللي هايفككه يبقى يوريني)!!!! ولكن الأهم والأصعب، وربما الأقرب لي وله: هو محاولة تفكيك وتغيير هذه الطريقة البوليسية العسكرية التي نفكر ونعيش ونتعامل بها بدءا من السياسة وحتى الدين والكورة والتعليم والإعلام.. وخلافه.
أحسب أن تفكيرا مثل هذا يمكن أن يكون نافعا.. عشان يبقى (كله تمام يا أفندم)... ودمتم سالمين
*اقرأ أيضاً:
على باب الله: عائد من استانبول/ على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية)/ على باب الله: رمضان العهد والوفاء/ على باب الله: عن العسكرة والأقدمية/ على باب الله التعويذة/ على باب الله: الأصل والواقع/ على باب الله الحوار/ على باب الله جواز سفر/ على باب الله: الطريق إلى بودابست/ / على باب الله بودابست/ على باب الله: وداعا بودابست/ على باب الله: بنية وبيئة/ حوار مع أ.د أحمد عكاشة(3)