كثيرا ما تتصل بي إحدى الصحفيات الشابات، أو أحد الصحفيين الشباب، (هل تفرق؟) وتسألني أسئلة غريبة الشأن عن الشعب المصري، صفاته، عاداته، ماذا طرأ عليه، لماذا وصل إلى ما وصل إليه؟ وكلام من هذا القبيل، أبدأ بأن أفهمها بأن مجرد وضع الأسئلة بهذه الطريقة به خطأ كبير لكن تضيع كل تحفظاتي هباء، وتعاود الفتاة بطيبة لحوحة محاولة الحصول على إجابات ما، مشيرة إلى عملها، ومطالب رئيسها وكلام من هذا لا أملك إلا أن أجيب بتحفظ، محذرا من التعميم طولا (تاريخا) وعرضا (جغرافيا) وأن ما يصف شعب رشيد، غير ما يصف شعب كفر الزيات، وناس بني مزار غير ناس دمياط وناس الحلمية الجديدة غير ناس عزبة القصيرين حتى ولو تشابه ناس جاردن سيتي مع ناس الزمالك كما أننا لسنا قدماء المصريين، ولا أقباط الرومان ولا مسلمي عمرو ابن العاص أو شيعي الحاكم بأمر الله؛
وبرغم هذه المقدمة الطويلة أذكر لها بعض انطباعات –مؤكدا أنها شخصية– مما يصلني في عيادتي وإلا من أين أحصل على المعلومات، ثم ينشر الحديث دون أي تحفظات، (عادي!!) يحدث مثل ذلك وألعن في البرامج التليفزيونية غزيرة الفتاوى النفسية، وغير النفسية، ننتقل إلى الكتب وحتى الأبحاث العلمية فكثيرا ما نطالع عناوين مثل الشخصية المصرية كذا وكيت، أو "ماذا حدث للمصرين في الفترة الفلانية" ولا شك أن بهذه الكتب والأبحاث معلومات وانطباعات هامة ودالة لكننا تعودنا أن نتجاوز المنهج، وألا نقرأ المقدمات، وألا نتحفظ على الأرقام، وهات يا إعلان عن ظواهر ظهرت، وأخرى اختفت وهات يا إصدار أحكام وترتيب نتائج، و.... الخ
إن للمسألة جذورا في طريقة رصد ما يقال له التاريخ الذي هو غالبا، أرض بلا صاحب إن استشهادنا بالتاريخ لا يقتصر – بكل اختلافات مناهجه – على الفترة التاريخية التي وصف فيها هذا الشعب الملطشة، لكننا نأخذ من اجتهادات التاريخ ما شئنا لما شئنا وخلاص.
زادت المسالة وفاضت في مجال السياسة فمنذ أطلق الدكتور نعمان جمعة شعاره "معي يا شعب مصر نغير مصر بجد" وأنا –مع احترامي أتلفت حولي عن شخص اسمه الشعب حتى يلبي النداء فلا أتعرف عليه بسهولة هذا الشعار كان حسن النية جدا جدا الشعب ليس غائبا ولكن المسألة ليست هكذا؟
هذا وقد سبق أن أشرت إلى مقالات رئيس التحرير، التي لا تقف عن سلخ الشعب المصري مستشهدا، خاصة هذه المرة (الأسبوع الماضي) بجمال حمدان الله يرحمه.
كال هذا كوم وما يحدث داخل الحزب الوطني كوم، فقد قرر الأعضاء الذين خيل إليهم أنهم ينتمون إلى حزب سياسي لم يتكون أبدا، خيل إليهم أن أفضل حل لهذا الشعب السلبي هو أن يحلوا محله تماما ويريحوا أنفسهم وهم بذلك لم يكتفوا بتعميم بعض الظواهر التي ظهرت متناثرة هنا وهناك على سائر أفراد الشعب، ولا هم اكتفوا بالتقاط سمات فترة تاريخية ليمدوها إلى الوقت الراهن دون مبرر، ولا هم قاموا باستقصاء معين بمنهج معين ثم تجاوزا المنهج إلى ما لا يصلح له، لكنهم باسم الله ما شاء الله قرروا أن يستغنوا عن الشعب برمته، وأن يحلوا هم محله تماما دون توكيل في الشهر العقاري.
المتابع لما حدث ويحدث في اجتماعات المؤتمر السنوي لهذا البديل الوطني الديمقراطي يمكن أن يلاحظ ما يجري في تربيطات وانشقاقات وشبه انتخابات وتحديد شعبية وترشيح المحظوظين ثم استبعاد المشبوهين بحق أو بغير وجه حق ليأخذوا أجازة انتخابات تجريبية، فيصبحوا مستقلين مؤقتا، فيرشحوا كنظام الحزب مثل "كراريس زمان أم ثلاثة تعريفة: كنظام وزارة المعارف العمومية" وذلك بعد أن يتراجع الحزب عن التهديد بفصلهم، الاحتياط واجب فقد يثبت أن أي منهم بمجهوده الشخصي دون أي سياسة ولا مؤاخذة هو أفضل من الحزب كله على بعضه.
نخلص من كل ذلك أن الشعب المصري مغيب تماما عن ساحة ما هو سياسة منذ تولى الأمر غير أهله وأن الانتخابات المعلن عنها تجري على مرحلتين سابقتين للمراحل المعلنة وهي تجري داخل ما يسمى بالحزب الوطني دون أن يتدخل ما يسمى بالشعب المصري (الحشري): مرحلة انتقاء المرشحين والمرحلة الأخرى هي قبول المستقلين، أما تلك الانتخابات الكبيرة التي يدعى إليها أفراد الشعب تحت الإشراف القضائي وما شابه فهي مجرد ديكور مكمل.
إيش أدخلنا إحنا في خلافات خصوصية هكذا؟!
ألم نسمع المطربة الدافئة نجاة التي ما زالت صغيرة وهي تغني: "أرجوكو سيبونا حاتلقونا حانصالح بعض لوحدينا".
يا سادتي رعب أكبر من هذا سوف يجيء (صلاح عبد الصبور–ليلى والمجنون) ماذا كان جرى لو تمت الانتخابات بالقائمة النسبية؟
ألستم في حاجة إلى معارضةـ على الأقل "عشان الصورة تطلع حلوة".
واقرأ أيضاً:
تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟