تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2)
الخوف في المرض النفسي له تصنيفات وتشكيلات، فالخوف من مجهول غامض متذبذب وداخلي غالبا، يسمى "القلق العام العائم المتماوج"، هذا المرض كان شائعا في أول ممارستي للطب النفسي (أواخر الخمسينات) لكنه أخذ يتراجع لحساب نوبات الهلع التي ذكرناها في العدد الماضي، هناك أنواع أخرى من الخوف تحدث بالنسبة لمثير بذاته، لا مبرر للخوف منه، على الأقل الآن مثل الخوف من الأماكن المرتفعة، أو الضيقة المغلقة، وهو ما يقال له "رهاب" (بضم الراء على وزن فُعال).
ويسمى هذا الخوف أو ذاك (رهاب كذا) أو رهاب كيت، مثلا: رهاب الموت، أو رهاب السرطان. الخ.
كيف يمكن أن نتناول رهاب الموت، كمثال، من منطلق وصفة الأعراض؟
يأتي المريض ويحكي عن خوفه من الموت، وأنه يخشى لحظة الاحتضار، أو عذاب القبر، ثم يسأل وهو يشير إلى بعض أعراض تذكره بالموت: يعني أنا هاموت يا دكتور؟ فأبادر بالتأكيد أنه "إنشاء الله" (بدلا من بعد عمر طويل، أو بعد الشر) فيقفز المريض متعجبا: إن شاء الله ماذا ؟!!
فأرد فورا إن شاء الله ربنا ياخدك، هذا إذا كنت قد اطمأننت لدرجة مناسبة من الثقة طبعا، فيكمل المريض كيف ؟!! ماذا تقول ؟!
فأواصل، تماما كما سيأخذني وقتما يشاء سبحانه، ثم أتحسس ثقة أعمق لأواصل التقدم، وأنا أطلب منه ألا يقاوم الفكرة بل يستدعيها، طالما أنها فكرة الموت وليست الموت نفسه، وهذا عكس ما يقال له عادة في الاتجاه الآخر من أن عليه أن يستعيذ من الفكرة، وأن يطردها بأن يحل محلها أفكارا بهيجة، أو أن يشغل نفسه بما هو أكثر واقعية، يستغرب المريض وهو يريد أن يتأكد من أنه أمام طبيب حقيقي، فأكمل بأن أكتب له على الروشتة فعلا "مسموح الموت وقتما يشاء سبحانه وتعالى".
في الاستشارة نتواجه من جديد، ويتأكد هو من موقفي، وقد نتحدث في نوع الجنازة التي يفضلها، أو تفاصيل النعي، وقد يبادلني مثل ذلك، وقد يتدعم موقف الثقة بما يسمح لي أن اكتب له عبارات معينة يكررها مرات محددة صباحا مساءا، وقد يقبل وقد يشفى، أو قد يذهب لمن هو أحذق مني، وأطيب، مع أنني طيب والله العظيم، لكن الطيبة أنواع.
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟