هناك من يكونُ رمضان لهم شهرًا يتخففون فيه من أعبائهم الجسدية وينطلقون في أعمالهم وبعضهم يزيد مقدار العمل الخيري في يومه، لكنهم بشكل عام يكسبون على المستوى الاجتماعي والأخلاقي خلال ذلك الشهر، ومن بين هؤلاء من يكثف العمل أثناء صومه في النهار، ليجعل الليل للعبادة المباشرة، كفعل الصحابة والسلف الصالح، وهناك من يعتبر رمضان مهرجانَ للأكل والسهر والتنزه وهذه فئة تزايدت في مجتمعنا المصري خاصة والمصريون يخلطون بين الدين والاحتفالات بشكل عام، وهناك من يكونُ رمضان لهم فترة انتعاش لتجارتهم سواء في المأكل أو الملبس، وإلى حد ما شركات الأشرطة الدينية والمطبوعات الدينية على حد سواء، وكلٌّ يكسب من رمضان لدنياه أو آخرته أو كليهما.
وهناك أيضًا من يكونُ رمضان لهم فترة ركودٍ ذهني يجبرون عليه، وهؤلاء فئة هي الأكبر في مجتمعنا اليوم، فكثيرون من أصحاب الأعمال الخاصة ومن أساتذة الجامعة لا يعملون في نهار رمضان، كثيرون ينامون حتى الظهر ويسهرون حتى الفجر، وأعرف أطباء لا يعملون في نهار رمضان، وتعرفون أنتم أمثلة كثيرة، والحقيقة أن السبب في حال هؤلاء كما نلمسه من حكايات المرضى يرجع إما لإدمان النيكوتين أو إدمان الكافيين خاصة النيسكافيه، أو لإدمانهما معا، والفئة الأخيرة أكثر في الرجال، وإن أصبح بين البنات كثيرات يدخن ويكثرن من القهوة وينمن معظم النهار لهذا السبب.
وإذا اعتبرنا المدخنين فئة نعرفها كلنا ويعرفون هم أن سلوكهم مرضي، فإننا نتساءل كم منا يعرف أن القهوة والشاي أو ما نشربه اجتماعيا بكل أمان هي مواد نفسانية التأثير وتسببُ الإدمان وهي بالتالي سلوكياتٌ مرضية أيضًا لكنها اجتماعيا أكثر قبولا من التدخين، لكن يبقى السؤال لماذا يشربُ كثيرون الشاي والقهوة والنيسكافيه ولا تواجههم أية مشكلات بسببهم بينما آخرون يدمنون؟
الحقيقة أن أعراض انسحاب النيكوتين وأعراض انسحاب الكافيين تحدثُ لكثيرين لكن الظاهر أنها تكونًُ أشد لدى بعض الناس من غيرهم لأسباب ربما تتعلق بالتكوين النفسي أو حتى تركيبة الجهاز العصبي نفسها، فيكون الشخص في النهاية أكثر حساسية لأعراض انسحاب النيكوتين أو الكافيين من غيره وأكثر قابلية بالتالي للتحول إلى مدمن، ومن ينتمي لتلك الفئة يصبح أقل قدرة على الحياة صائما بشكل طبيعي.
فأما أعراض انسحاب النيكوتين كما نلمسها في ممارسة الطب النفسي فتشمل: مزاج سيئ أو اكتئابي، القلق وهيوجية (سهولة استثارة) المشاعر، فقد القدرة على التركيز أو صعوبته، الإحباط وربما الغضب، وهذا يفسر لماذا يفسد المدخنون صيامهم أكثر من غيرهم أو هم يهربون بالنوم ليحفظوه أعانهم الله.
وأما أعراض انسحاب الكافيين، فهي تشمل الشعور بالإرهاق الشديد أو النعاس الشديد أو بعض الآلام وإن كان الصداع أشهرها وأكثرها شيوعا وحده أو مع غيره في نسبة تصل إلى 50% من المعتمدين على الكافيين، كذلك المزاج السيئ أو القلق الواضح أو الاكتئاب الواضح، وأحيانا الغثيان وربما قابلية للقيء، وأحيانا فقد القدرة على التركيز أو صعوبته وهذا يفسد مزاج كثيرين، وكثيرات أيضًا من نسائنا من مدمنات النيسكافيه أو القهوة أو الشاي، وأحيانا -إن شاء الله قليلة- يفسد صيام بعضهم أو بعضهن، وعلميا تبين إحدى الدراسات أن نسبة هؤلاء الذين تشكل أعراض انسحاب الكافيين لديهم عائقا حقيقيا هي واحد من كل ثمانية أي الثمن وهي نسبة مرعبة.
ومقارنة أعراض انسحاب النيكوتين بأعراض انسحاب الكافيين تظهر أن الفارق لا يكادُ يكونُ ملحوظا، ورغم ذلك ورغم شهرة إدمان القهوة والشاي وأننا نلمسها في حياتنا إلا أن التصنيفات الرسمية –الأمريكية- للاضطرابات النفسية لا تشمل متلازمة أعراض الاعتماد على الكافيين ولا متلازمة انسحاب الكافيين، فكلاهما تنتظر اعتراف الطب النفسي الرسمي بها، فقط يعترف التصنيف بمتلازمة التسمم المرضي بالكافيين، أي ما ينتج عند شرب كميات مفرطة من الشاي أو القهوة، ولا ندري لماذا لم يُعترف بالكافيين كمادة نفسانية التأثير مثلها مثل النيكوتين والبانجو وغير ذلك، ربما بسبب قوة شركات تسويق الكافيين، وربما لكون استخدامه مقبولا اجتماعيا بشكل كبير وأضراره ليست واضحة بشكل مباشر مثلما الحال في النيكوتين وغيره، ربما.
وهناك دراسات علمية بالمناسبة لتأثير كلٍّ من النيكوتين والكافيين، ولكلٌّ منهما دراسات تبينُ أضرارا ودراسات تبين فوائد ومعظم تلك الدراسات غربية إن لم تكن كلها، فلماذا لا نتخذُ من رمضان –القادم بإذن الله- فالشهر لا يمهلنا كثيرا، فرصة لدراسة أعراض انسحاب الكافيين في الصائمين؟
يا ترى كم يلامس هذا الكلام حياة من يقرؤون نفسيتنا على الدستور؟ كم منا يجدُ رمضان أفضل لديه من كل الشهور؟
هل بين المدخنين ومدمني القهوة من يجدُ رمضان أفضل الشهور لديه؟
وكم منكم ينوي أن يشاركنا الدراسة في رمضان القادم بلغنا الله إياه، هذا سؤال متروك لكم ونحن في انتظار تعليقاتكم ومساهماتكم على maganin@maganin.com
نقلا عن عدد اليوم 2/11/2005 من جريدة الدستور
*واقرأ أيضا:
شيزلونج مجانين الثانية والأربعون/ مدونات مجانين(1): من فليكسْ إلى ميلِس