في مايو 1996 انعقدت قمة السكن في تركيا، وكان من المفترض أن أسافر مع الفريق الذي أعددته للمشاركة فيها، ولكنني لم أفعل رغم حصولي على التأشيرة لأن امتحانات الماجستير كانت منعقدة وقتها، وسافروا جميعا وعادو من استانبول بذكريات جميلة، شقيقي عاد هائما بالنظافة والجمال والأخلاق، والآخرون كلهم رأوها من زوايا مختلفة، وطالت وتعددت أسفاري، وحلمت وتمنيت حتى جاء اليوم الموعود، ووصلتها مع طائرة الفجر لأقضي فيها نصف يوم في طريق ذهابي إلى "طشقند" منذ قرابة السنتين، وفي طريق عودتي صاحبت صديقي الذي تعرفت عليه في المؤتمر بأوزبكستان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، وتجولنا في شوارع استانبول بما سمح الوقت القصير الذي كان متاحا لنا، ثم عدت ثانية المؤتمر لم يسمح غير بنزهة واحدة صباحية، وأخرى مسائية في مركب بالسفور ثم ها أنا ذا أعود ثالثة للمدينة التي أحببتها بنوع من المشاعر مختلف عن غيرها، وبفسحة أكبر من الوقت هذه المرة.
أحببت الناس، وذلك الشعب الطيب الكريم الذي يشبهنا نحن المصريين في الكثير، وأتذكر الآن "يابراك" الإعلامية التركية التي قابلتها في "دافوس" من قبل أن أزور تركيا فشدتني بملامح وجهها المنحوتة نحتا من جبال الأورال، وبشخصيتها التي تجمع بين القسوة والوداعة، وحين حضرت إلى استانبول من قبل فشلنا في ترتيب موعد، وهذه المرة لم أتصل بها أصلا لأنه قد لازمتني حالة من كسل، وربما شجن، خرجت بها من رمضان فذهب كل وقت الفراغ في النوم أو التأمل غير الحوارات الطويلة مع "يقين" صديق أخي الشاب النابه الذي سقط في حب تركيا كما سقط أخي من قبل، وكلاهما من مواليد برج "القوس" فهل لهذا علاقة؟!
وكلانا مهتم بتركيا، ومجتمعها المدني القوي وتياراتها وحركاتها السياسية والدينية المتنوعة، وبنقاط الاتفاق والاختلاف بين مصر وبينها، ولذلك طالت حواراتنا على هامش المؤتمر.
أحببت العمارة التي احتفظت بالحضارة العثمانية المهيبة، واحتفظ بها الأتراك مفخرة وسياحة، هنا كانت حاضرة الخلافة الأخيرة للمسلمين، وفي كلمتي أمام المؤتمر الذي جئت من أجله تساءلت. لماذا نتذكر ونذكر دائما الخلافة كدولة قوية –قبل أن تضعف– وننسى الثقافة والحضارة والناس، الناس أهم من الدولة، ولا يعني سقوط الخلافة/الدولة أن تنهار جبهة المسلمين ووحدتهم، فما كانت الدولة هي التي توحدهم غالبا طوال التاريخ، ولكنه الدين والتواصل الثقافي والاجتماعي، وجهود العمران الإنساني، والبحث العلمي، وطلب العلم، وهو مبثوث هنا وهناك، وفي إمكاننا بهذا المعنى أن نستعيد أصول الخلافة/الناس، وإن صار صعبا –وربما لا يكون مفيدا– استعادة الخلافة/الدولة !!!!
جئت للمشاركة في "مؤتمر الشرق"، وهو تجمع يحاول وصل ما انقطع بين بلدان الشرق: مصر وتركيا وإيران وما حولهم، والآمال منعقدة على الناس أن يستعيدو ما فقدته الحكومات أو غفلت عنه من وشائج وعلاقات ومصالح،....... الفكرة ما زالت في مهدها، واتجه تفكيري أن نبدأ بالشباب، وأن نحاول بث الوعي في المصريين، وهم محتاجون لوعي كثير.
كتب صديقي الوزير اللبناني د/طراد حمادة – قبل أن يصبح وزيرا، وكنا سويا "في زيارتي الثانية"، قصيدة شعرية يتغزل في استانبول، وفيها : معلق بين برزخين..... يومها كنت أشعر انني ذلك المعلق وليس الجسر الضخم الذي يربط شطري استانبول، وكان د.حمادة يصفه في القصيدة، اليوم أشعر أنني لست كذلك، وسبحان من يغير، ولا يتغير.
الأحد 13 / نوفمبر / 2005
اقرأ أيضا:
على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية )/ على باب الله مصر للطيران..ذهابا