قابلتها للمرة الثانية بأحد المحلات التي تقع بحي راق بالقاهرة، هي بدينة بعض الشيء بلا قبح، لا تضع مساحيق تجميل على وجهها وترتدي ملابس محتشمة،نظيفة في مظهرها وتجمع شعرها على شكل كعكة.
عاملتني بلطف رغم أنها تعمل من التاسعة صباحا حتى الحادية عشرة ليلا .أعطتني كرسيها كي تنطلق هي في دفقه من الاعترافات بدأتها بالشاب الذي التقته في الكنيسة أو بمعنى أصح تعرفت والدته على والدتها في الكنيسة وطلبت منها زواج شقيقتها الصغرى من ابنها لكن شأن أي أم مصرية أعلنت أننا لا نزوج الصغرى قبل الكبرى فلم تمانع، أما الابن فلم يعلن اعتراضه الصريح على اختيار أمه وقرر أن يطفشها بطريقته. يمشيان معا فيعلق على قوام تلك وحلاوة أخرى في مقارنات تبخس قيمتها في نظره.
ومع ذلك هو لا يتورع عن طلب تقبيلها عندما يتقابلان في الكنيسة فتثور داخلي تداعيات فيلم "بحب السيما" والاعتراضات الشديدة على تقبيل الشاب خطيبته ببرج الكنيسة والمطالبة بحذف المشهد ولماذا نحن نريد دائما عدم التعامل مع واقع حياتنا بشفافية وكأن مؤلف ومخرج الفيلم قد أتيا بخيالات؟
وكان تساؤلي الموجه لها: ولماذا تستمرين في تلك العلاقة التي تؤلمك؟
وردها المبدئي كان أن أمها نصحتها بالانتظار حتى تزور شقة الزوجية التي أخبرتهم عنها أم الشاب وببعض التضييق أعلنت أنها أحبته رغم وعيها بأن القصة من بدايتها لا تحمل بشائر النجاح.
ونتكلم عن عملها والجزاءات والخصومات والتصيد من صاحب العمل حول بعض التراب بالمخزن والحال الواقف بالبلد وتنطلق في الحديث عن رحلة العودة ليلاً وجماعات الشباب التي تتعاطى المخدرات على النواصي ورعبها منهم ومن أصحاب الذقون والجلاليب القصيرة المنتشرين في الحي.
أما رحلة المترو في الذهاب والعودة فمليئة بالاستعداء حتى من قبل الفتيات الصغيرات اللاتي يرمونها بنظرات الكراهية عندما تقع عيونهن على الصليب الصغير المدقوق على معصمها وتسألني: ألو ربتهن أمهاتهن على قبولنا ببساطة وهذبن نفوسهن وأخبرنهن بأن هذا لايليق، لم تكن فتاة صغيرة لتعلن احتقارها وحنقها لمجرد رؤيتها الصليب المدقوق؟ ويمر علينا شاب ملتحي يقوم ببعض أعمال النجارة بالعمارة التي يقع المحل أسفلها فتخبرني بأنه طالع نازل منذ الصباح ونظراته توحي لها بأنه يود ذبحي لو أتته الفرصة.
فأجيبها بأن ذلك قد يكون وحي أفكارها رغم أني شخصيا عندما رأيته نازلاً من العمارة أحسست بأنه يمثل لي تهديداً ما لأني غير محجبة ذلك كان شعور عيرني. لكني سألتها عن جيرتها فأجابتني بأن كل قاطني عمارتهم من المسلمين المسالمين عدا أصحاب العمارة.
قد تكون هذه مجرد هواجس لا أساس لها أو نتاج أمور بسيطة. لكن الخطر الحقيقي يكمن في حالة احتقان المشاعر التي نعيش في ظلها، ونحتاج بشدة لإشاعة روح التسامح واحترام الآخر حتى نحافظ على هذا البلد من التقسيم إلى دويلات كما نرى في بلاد مجاورة.
*اقرأ أيضاً:
صديقاتي الوحيدات / نحن جمهور واعٍ