الحب المستحيل والأدب!
كتب لي يقول: لم تتحدثي في مدونتك (الحب المستحيل، والفقه..) عن مساحة الاستحالة وسببها، وكنت أحسب أنك ستفعلين، لكن هواك الفقهي غلب على هواك الأدبي، فهلا عدلت كفتي الميزان؟
تأملت في رسالته، وعزمت فعلا على تناول ما أشار عليّ به، لكن ليس بالأدب وحده تعتدل كفتا الميزان، وإنما بمزيد تفصيل، ونظر في الأبعاد الإنسانية والاجتماعية، وذلك لا ينفصل عن الجانبين الفقهي والأدبي، بل كل ذلك يلتحم ألما وأملا وحكمة.
الضباب والعشق..
ينشأ الحب هنا في أجواء مكفهرة لدى الطرفين غالبا، بعد اشتداد الحياة عليهما، فيكون لهما ملاذا من قسوة الأيام، والبرد العاصف العاتي للوحدة..
وكليلة شتوية يسودها الضباب، تكون علاقتهما، يصعب عليهما فيها تبين وضوح المشاعر أو المواقف أو العطاءات!
ثم تكون سماء العشق لدى المرأة أسرع إلى الصفاء، فتعطي .. لعل في هطول سحب عطائها ما يؤذن بانقشاع ضباب سماء الرجل..
لكن، هيهات.. يظل الرجل عاجزا غالبا عن اتخاذ خطوة تنقل علاقتهما إلى النور، إذ يثقله التردد، ويقعده الجبن، ويزداد شعوره بتيهه وعظم مسؤولياته القديمة..
وهو مع ذلك يعد الجبن هنا فضيلة، والتقاعس تعقلا، وتحمل مسؤولية جديدة هو ضرب من الجنون، وتكرار أحمق لتجربة مريرة..
هل اتضحت إذن صورة الحب المستحيل التي تحدثت عنها؟
رجل متزوج تثقل كاهله الأعباء، ويحيا حياة مبعثرة، يجد ملاذه عند امرأة غير مرتبطة قد استبدت بروحها الرغبة في السكن والسكينة..
ويسيران في طريق تكتنفه ورود الأنس بالرفقة، كما أشواك القلق من حاضر ومستقبل مكبل بالضباب..
الرفقة أم الرفيق؟
قالت لي، وقد استفاقت بعد تجربة (حب مستحيل):
عرض عليّ أن نتزوج سرّا، فظروفه لا تسمح بارتباط علني، وطلب مني أن أحتمل ذلك لعل ظروفه أن تتحسن يوما ما، فيعلن الزواج..
قالت: كررت قوله: يوما ما، ثم قلت: إذن أنت تريد الرفقة لا الرفيق! ولو أردت الرفيق حقا، لحفظت له حقه في حياة كريمة يحياها بلا هضم ولا ضيم أمام نفسه قبل أن يكون ذلك أمام المجتمع الذي يعيش فيه.
وكيف تكون محبا حقا؟ يا من ترتضي لحبيبك حقوقا منقوصة .أي فردية في الحب تبتدعها يا سيدي؟
قد أغفر لك أن تقول فلنبتعد لأني لن أستطيع أن أفيك حقك، لكن ما لا أغفره لك أن تدعي حبا زيفا وزورا!
كان الألم يرسم على وجهها خطوطا ضاقت لها عيناها، لكنه ذاك الألم المترفع، الذي يعتز به صاحبه، ويرى فيه ثمنا لا بد منه لتمسكه باحترامه لذاته، وإيمانه بها صور أخرى..
كتبت سماء (في فقه العشق)، وتحدثت عن رمادية مثل هذه العلاقات، وأن الفراق لا يكون دوما هو الحل الأمثل في ظل نسبية هذه الكلمة وفقا لاختلاف الحالات المرتبطة بها.
لكن، أليست دوما هناك أسس لا نسبية فيها ، دينيا ونفسيا واجتماعيا؟
وكيف تصدق المرأة أن من أبى أن يتحمل المسؤولية كاملة بداية أن يتحملها فيما إذا تعقدت الأمور، وضاقت السبل، أو حصل بينهما شقاق؟ .
رحم الله القاضي عياض إذ يقول: لو كانت لي دعوة مجابة لصرفتها إلى عاشقين أن يجمعهما الله في حلال. أو كما قال.
فهل كان القاضي عياض يدعو لمن يتخذ العشق دعوى لتحصيل مكاسب الرفقة ولو حلالا، و يهمل حق الرفيق؟ لا أظن!
حرر في يوم الخميس
29/12/2005م
واقرأ أيضاً:
للنساء فقط .. في سطور / الحزن الحر
التعليق: لقد نسيت من هم يريدون الحلال ولكن تحكمات الأهل ومطالبهم الكثيرة تثقل علي الشباب وتجعلهم يلجئون لسياسة الأمر الواقع مع الأهل فيختارون الزواج العرفي حتي يجعلوا أهلهم يخضعوا لهم.
ليس كل الشباب يرهبون المسئولية ولكن إذا نظرنا للموضوع لابد أن ننظر له نظرة شاملة نرى بها من هم يحبون ويحتاجون لتكوين حياة أسرية ويحتاجون تقديس حبهم بالزواج وبالحلال ومن يريدون التسلية لابد أن ننظر لمشاكل الشباب ونحاول التحرك لحلها ولا نتوقف عند القيل والقال وتشويه صورة الحب بين الشباب في أنه مجرد تسليه ورغبات.
وعلي اعتبار أن الشباب مخطئون ويرتكبون كل ما هو خطأ في الحب أين الآباء؟ وأين دورهم؟ لابد أن يتعلم الأباء المحافظة علي مشاعر أبنائهم وعلي حب أبنائهم ولا يتثاقلون علي الشباب بالمطالب ورفقا بشباب هذا الزمان.