ما هو المستحيل في الحب المستحيل
يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه من الفكر والقلب:
"وكم من الناس من تعساء، إذ حيل بينهم وبين تطلعات حبهم، ولكنهم مع ذلك عاشوا سعداء بالحب نفسه!...
معذبون... يقطعون هدأة الليل في حسرات كاوية تشفق عليهم منها النجوم في سمائها البعيدة، ولكنهم أسعد بذلك العذاب من النائم الذي يغطَ مستغرقا في أحلامه الرائعة!..
هائمون....لا يفقهون من شدو العنادل في الخمائل والرياض، إلا رجع الأنين المنبعث من صدورهم، ولكنهم أطرب لما يسمعون من أولئك الذين يصغون بآذان ملؤها اللهو والمرح.
وهل في الدنيا كلها عذاب أبعث على النشوة من عذاب الحب؟
وهل سمع الناس عن نار تنشر كلما اتقدت مزيدا من عبق النعيم غير نار الحب؟
أو لم تسمع بقيس العامري، يوم أن ذهب أبوه إلى بيت الله الحرام، بعد أن استيأس من ليلاه وحيل بينه وبينها، رجاء أن يدعو لنفسه بالشفاء من حبها فيجاب دعاؤه. فلما صار عند الكعبة، قال له أبوه: تعلق بأستار الكعبة وأسأل الله أن يعافيك من حب ليلى. فتعلق بأستار الكعبة ولكنه قال:
اللهم زدني لليلى حبا، وبها كلفا، ولا تنسني ذكرها أبدا!."
وقال الكاتب مصطفى صادق الرافعي في كتابه من الوحي والقلم في فصل القلب المسكين:
"فكل أسرار الحب من أسرار الروح ومن عالم الغيب، وكأن النبوة نبوتان: كبيرة وصغيرة، عامة وخاصة. فإحداهما بالنفس العظيمة في الأنبياء، والأخرى بالقلب الرقيق في العشاق، وفي هذه من هذه شبه، لوجود العظمة الروحية في كلتيهما غالبة على المادة، مجردة من إنسان الطين إنسانا من نور، محركة هذه الطبيعة الآدمية حركة جديدة في السمو،ذاهبة بالمعرفة الإنسانية إلى ما هو الأحسن والأجمل، واضعة مبدأ التجديد في كل شيء يمر بالنفس، منبعثة بالأفراح من مصدرها العلوي السماوي"
كتبت أختي صفية عن الفقه والحب المستحيل وأتساءل ما هو المستحيل في الحب المستحيل ، إذا كان الزواج هو المستحيل فهل يتحول الحب نفسه إلى مستحيل؟....
لا.... لا أعتقد... فالحب يبقى موجودا ما دام في عروقنا دم يسري وفي أحشائنا قلب ينبض، وإذا لم يكتب لهذا الحب أن يحيا بين زوجين متحابين، فانه –إن كان حقيقيا- سيحيا بين شخصين اقترنت روحاهما وإن تباعد جسداهما.......
أذكر أن الدكتور أحمد عبد الله كتب في مقالته على باب الله أن أكون شهوانيا يقول أن الحب العذري غير موجود" وربما لم أكتب تجربتي كإنسان، أو أفكر بها حول هذه المسألة، وعندما أعود لنفسي كرجل وطبيب ... الخ، وأتأمل... أجدني لا أستطيع جنسا إلا مع من أحب، ولا أعتقد أن حبا يتقابل في تعبيراته ومكوناته بين رجل وامرأة إلا الجنس، وغير ذلك فهو ليس حبا بالمعنى الكامل، ولكنه أشياء أخرى، أو عواطف أخرى، ووجدت كتابا يوافق هذا، مؤلفه كاتب من أهم المدافعين عن العلمانية في العالم العربي– وبالمناسبة لا أعتبر العلمانية شتيمة-، وهو يقرر في كتابه أن ما يسمى بالحب العذري هو محض خرافة لا وجود لها."
ومما كتبت له يومئذ: " لا يا سيدي فالحب العذري موجود، وإلا لما كان لدينا باب كامل في الأدب العربي عن الشعر العذري... ولما أبدع قلم مصطفى صادق الرافعي في القلب المسكين وأوراق الورد"
عندما أحب ويستحيل التواصل لأنه لا حل فقهي ومقبول اجتماعيا سوى الزواج الرسمي والمعلن، فأعتقد أن تواصل الأفكار والمشاعر والأرواح ليس عيبا ولا حراما طالما بقي في حدود الأدب....
لماذا عندما أحب لا أعلن للعالم أجمع أني أحب فلانا وأنه صديق ورفيق لروحي، ولكنه ليس زوجا ولا خليلا ولا عشيقا؟
في القديم: تحدثوا عن حب ليلى ومجنونها ولم يتزوجا، فلماذا اليوم لا نقبل حتى مجرد الإعلان عن المشاعر؟
أعتقد أن السبب في ذلك أننا لم نعد نؤمن بالمشاعر الحقيقية، لا نستطيع أن نتخيل حبا صافيا ساميا... لأن صورتنا عن الحب تشوهت... وأسباب ذلك معروفة للجميع...
كتبت يوما في مذكراتي عندما أحببت وذلك عهد قديم:
"سيبقى حبك أسيرا في عالمي الخاص، وليكن حبا بلا أمل، أفلا يكفيني أنه حب سام يصعّد بإحساسي، حب سيكون دوما وحيا وإلهاما، حب سماوي وسيبقى سماويا لأنه لن يحقق معانيه الترابية.... وعزائي وسلواي قوله تعالى" لهم فيها ما يشاءون".. فان كتب الله لي الجنة سأعلن هناك دون خجل أو حياء وأمام الناس والملائكة أجمع أني أريدك... وأما أنت......؟؟؟؟."
هذا الحب الذي أفهمه.... حب لا يمكن أن يتحول إلى مستحيل لمجرد أن الظروف تحول بينه وبين الزواج...... بالرغم من أن الرغبة موجودة والأحلام الوردية تداعب ألم الفراق والبعد..... لكن عندما نلتزم بالحدود التي رسمها لنا شرعنا الحنيف فهذا يضمن لنا حبا خالدا سيجد طريقه يوما ما... والمؤمن يفكر بعين تبصر الدنيا والآخرة معا... فلا يأس ولا قنوط وللمؤمنين في الجنة ما يشاءون.... وعافاكم الله مما تشتكون... والسلام...
واقرأ أيضًا:
تعرفي أكثر من المستر يا ماما مشاركة / في فترة النقاهة