" إنه لا يهتم بك بما يكفي، إنه لا يحبك"
كان نقاشا مثريا في البرنامج الشهير أوبرا حول كيف نشفى من (حالة عشقية) كما عبّرت أحلام مستغانمي، قال مؤلف الكتاب الذي كان موضوع نقاش (أوبرا): عندما تبدئين في اختلاق العذر تلو العذر لإهمالاته المتكررة لك، وعندما لا يجد كلاما حقيقيا يقوله وتحسين بصدقه، فاعلمي حينئذ أنه لم يعد (يحبك) لأنه لم يعد (يهتم بك إلا بما يكفي لعلاقة تبقى باهتة، يتمسك بها، ليعود إليها عندما لا يجد شيئا آخر يهتم له وبه حقيقة)، فلا تغرقي أكثر في بحر عشق تخبو به ومعه روحك، وتفقدين الإحساس بجمالها بسببه يوما بعد يوم.
"إنه لا يهتم بك كفاية، إنه لا يحبك، إنه لا يستحقك"
ثلاثية نحتاج لتذكرها دوما، لكن بحكمة، لننزلها منزلتها، ففي اللحظة التي يتحول فيه الحب إلى استجداء للاهتمام، والتفهم، والتقدير، يكون قد وصل إلى محطته الأخيرة، ومحاولات استبقائه ستزيد سرعته في طلب المغادرة.
مغادرة حب قد دبت في مراياه الشروخ، تتطلب تجديدا لحياتنا، نستبدل تلك المرايا المشروخة بمرايا أخرى لامعة تستمد لمعانها من استفاقتنا، وفهمنا، وإدراكنا بأن الحب المشروخ لم يعد حبا بل بات مشاعر شائهة تظل تنهش دواخلنا.
والخروج من حب جديد من صادق ما يعين عليه توبة، تجديد العلاقة بالله عز وجل، وهذا التجديد (التوبة) لا يرتبط فقط بالذنب كما قد يتبادر إلى الذهن ابتداء، ولكن هو فعل دائم للقرب من الله عز وجل، بما يعنيه ذلك من قرب من الكمال الإنساني، جمالا وسلاما يملأ وجداننا، فإهمالنا طلب الكمال الخاص بنا، هو قصور في السعي نحو الله.
كانت ليلة أمس رحلة جميلة أنسنا فيها باسم الله التواب، قراءة في معانيه، وتأملا فيما ورد في بيانه عن أهل العلم، وكان من المعاني الذي وقفنا عندها، هي علاقة التوبة ب (التجديد)، تجديد نمط الحياة المعاش، ثورة حقيقية حانية حتى في أبسط التفاصيل كتجديد طريقة اللبس مثلا، هذا فضلا عن تواصل -تنبض فيه قوة (التجديد)-مع ذوي الأرحام، والأصدقاء، والأصفياء، وفي كل ذلك نحن في الحقيقة نرى الله، نتصل به، نقوي قلوبنا به، ثم امتدادا لذلك تنبض قلوبنا بحب (جديد) لذواتنا، ولمن يطلب مودتنا ممن استغرقتنا (الحالة العشقية) عنه .
"لتشفى من حالة عشقية يلزمك رفات حب، لا تمثالا لحبيب لتواصل تلميعه بعد الفراق، مصرا على ذياك البريق الذي انخطفت به يوما. يلزمك قبر ورخام وشجاعة لدفن من كان أقرب الناس إليك، أنت من يتأمل جثة حب في طور التعفن، لا تحتفظ بحب ميت في براد الذاكرة، اكتب لمثل هذا خلقت الروايات .
أحلام مستغانمي.
أحلام تقدم تفصيلا آخر يمكن أن نغني به حياتنا، نحتضن مشاعرنا كتابة، نحيي فيها اعتزازنا بأنفسنا، ونصون ذاكرتنا من الاحتفاظ بجثة حب ميت، بل ننقلها من براد الذاكرة إلى حرارة آفاق الكلمة، وسلطان الكتابة الذي يقوينا بعزته، و النور الذي ينبثق به، فيكشف لنا عن سعة الحياة التي يمكن أن نحياها بعيدا عن مواصلة تلميع تمثال الحبيب بعد الفراق.
نعم هو رفات حب، هذا التصور الذي ينبغي أن نصطحبه في مخيلتنا، نقاوم رغبته المقاتلة في التشكل تمثالا، نقاومها بكل المعاني التي حملتها السطور السابقة، ونقاومها بتهميش حقيقي لمن كنا في هامش تفكيره أو عطاءاته، ودمتم متألقين!
حرر في:الخميس: 8/12/2005م
* اقرأ أيضا:
الحب..ومنهجية الجنون !/ في فقه العشق/ العشق .. ارتباكا/ وتسللت إلى أناملنا !/ بلا منطق !/ إنصافا لليأس../ صمتك المناور يسلبني صباي/ فوضى الفكرة