فجأة.....
بعد أن ذرفت دموعا، وتململت في جلستها، وشتمت رجال هذا الزمان،،،، باغتني سؤالها:
"أليس الزواج العرفي حلا لمن هن مثلي" ؟!!
أدهشتني صراحتها، واحترمت الوضوح والمباشرة بدلا من اللف والدوران الذي تعودنا عليه، وبنفس الصراحة حاولت أن أجيبها.
قلت: الزواج العرفي قد يحل مشكلة الإشباع الجنسي والعاطفي ولكنه لا يكفي لبناء الأسرة بمعناها وشكلها التقليدي المستقر: أب وأم وأولاد لمن يريد، ومن ناحية أخرى فإن العديد من الرجال، وأغلبية النساء ينظرون إليه نظرة دونية من الناحية الاجتماعية، وأعتقد أن كل هذا ينبغي أن يتغير، ومن الأصل فإن الأوضاع التي تؤدي إلى صعوبة الزواج العادي الرسمي المعلن التقليدي ينبغي أن تتغير، ولن يحدث هذا إلا باستنفارٍ للجهود لا أرى أننا "نمارسه"، أو على وشك أن نشهده قريبا، وإن كنت أقول كل يوم: يا رب قومي يعلمون، ويعملون!!
ملايين البنات بلا زواج يدفعن ثمن الأوضاع المختلة، وملايين المطلقات، وملايين الشباب الهائمين على وجوههم بلا أمل في زواج قريب، أو مترددين أمام اتخاذ القرار، وأوجاع متواصلة وواصلة إلى قلبي وعقلي وعيادتي، وأنا أكره الحلول التبسيطية، وأرفض التسكين، وحين كنت أهم بالخروج من ندوة حاضرت فيها بالجامعة الأمريكية سألتني إحداهن يعني العرفي هو الحل، قلت: بل استعادة العقل!!
ويبدو أن من يتجه للعرفي يتناوله كذلك بسيطا وتسكينا، وهو ليس كذلك، إنما هو صيغة من ضمن صيغ، قد تصلح أحيانا، وفي ظروف معينة، وقد لا تصلح،وتحتاج إلى تفكير عميق من الطرفين، وإلى نضج لكي تنجح باحترام والتزام الطرفين، لعل وعسى يبدو أن البعض يراه حلا بديلا أو نهائيا، والأغلبية تراه مشكلة، وهو –في غياب حلول جذرية، وتصاعد البيئة المواتية– مرشح للتصاعد، ولكن بعيدا عن الاعتراف الاجتماعي أو المصارحة التي فاجأتني بها تلك الفتاة.
الناس تريد قرص دواء أو مثل ذلك لعلاج أمراض مزمنة ومقدمات كلها خلل في خلل، وبالتالي طبعا كما يعتقد البعض أن الزواج التقليدي هو الأمل أو الحل، قد يرى آخرون أن العرفي كذلك !!!
وكلاهما تبسيط يدعوني للرثاء.
كنت في دورة تدريسية وسألت الدارسين قائلا: سأذكر لكم جملة معينة،، وأريد الإجابة بنعم أو لا.
"الزواج هو الحل النهائي لمشكلة الجنس"
وقال بعضهم نعم، وقال آخرون لا، ثم تناقشنا لماذا ومتى: نعم، ولماذا وكيف: لا.
طبعا الزواج يحل مشكلة وجود طرف آخر لعلاقة تحتاج إلى طرفين بطبيعتها، لكنه من جهة أخرى يطرح التساؤلات حول التوافق والتفاهم والانسجام مع هذا الطرف، وهكذا فإن الزواج قد يكون حلا، وقد يكون مقدمة لمشكلات، ولكن من نوع آخر!!
هكذا الزواج العادي والعرفي، وهكذا كل فعل إنساني.
الذي يثير أشجاني أكثر أن قومي ما يزالون غافلين أو ربما متغافلين عن أن الأوضاع لن تنصلح إلا بوعي متقد، وعمل جاد جماعي ودءوب لا أرى شيئا من مقدماته غير إرهاصات مترددة وباهتة !!
وأعرف بعض أسباب عجز الناس أو ذهولهم أو تقاعسهم، ولكنني أرثي لنفسي ولهم أن نظل هكذا!!!
زارني في العيادة أب وأم يستشيران بشأن ابنهما في منتصف عشريناته، يعمل بوظيفة مرموقة، براتب معقول، لا ينقصه ذكاء ولا تربية أسرة محافظة باعتدال، لكنه مثل ملايين يصادق أبناء أسر محترمة أيضا، ولكن الأبناء يشربون الخمر، وبعضهم متأخر دراسيا، ومنهم من سافر أهله وتركوه، ومنهم من غادر أهله هو وتركهم، هذا التآكل والانفلات الذي صار شائعا في غياب جماعات اهتمام أو نشاط سياسي أو اجتماعي تضم وتعتني، وتمنح بعض التماسك المنشود في مثل هذه السن.
ما كنا نصادفه في شبابنا، وما أنعم الله به علينا حين كانت الحركات الإسلامية درعا لنا يضمنا، ويكفل لنا المعية الصالحة، والحد الأدنى من الجدية والتركيز، هذه الأوضاع التي تغيرت في اتجاهات متضاربة لا يمكن أن تتغير دون جهد جماعي واسع نبذله جميعا، وحتى يحدث هذا سيظل الخلل والشجن.
14 / 1 / 2006
**اقرأ أيضا:
على باب الله: التفاصيل/ على باب الله: مصر في كلمتين