هل هناك رابط بين ما حدث بميدان مصطفى محمود بالمهندسين، وما حدث في مركز بني مزار بالمنيا ؟!!
عندما تتدخل قوات الأمن لفض اعتصام لاجئين لم يقل أحد أنهم كانوا مسلحين فتنتهي "الموقعة" بمقتل ما يربو على الثلاثين فإن هذا يشير على الفور إلى خلل في الاحترافية، وتقصير مهني فادح، هو نفس ما تجلى في ارتفاع ضحايا عنف الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومن قبله الاعتداء على الصحفيات والناشطات قبل استفتاء الرئاسة سبتمبر الماضي، وغيرها من السوابق الأمنية المعروفة!!
أنا هنا لا أتحدث عن الجانب الأخلاقي ولا الحقوقي ولا الإنساني، أنا أتحدث تحديدا عن الجانب المهني الأمني الاحترافي، لأن تفريق مظاهرة أو فض اعتصام سلمي أو تحرير رهائن أو غير ذلك من العمليات تحتاج إلى تدريب وكفاءة من الواضح أن إخواننا من الضباط والجنود يفتقدونهما بامتياز أو بشكل يدعو للفزع والرعب.
نفس الأداء والتكوين الهزيل هو السبب وراء الفشل في التعامل الاستباقي مع الحوادث الإرهابية والتفجيرات على مر الأعوام السابقة حين تنطلق التصريحات فور وقوع الجريمة بأن الفاعل هو كذا أو فلان المدفوع من الخارج أو المختل عقليا، أو تعليق المسئولية في رقبة قتيل ممن لا يمكنهم تكذيب الاتهام، إلى غير ذلك من الأساليب المعتادة لدينا في التعامل مع هكذا أحداث
طبعا يمكن فض الاعتصام بخسائر أقل كثيرا، وبشكل أكثر آدمية لو كان عمل الأمن وتدريبه واستعداده أكثر احترافية، كان من الأفضل عدم التسرع باتهام "المختلين عقليا" بارتكاب مذبحة بني مزار، وهو ما يبدو أنه غير صحيح على الإطلاق.
ولأنني أتوقع أن تزيد الجرائم غير التقليدية اجتماعيا وسياسيا، ولأنني - مثل الجميع – أرى وأسمع كيف تعامل البوليس البريطاني مع تفجيرات "لندن"، وكيف يتعامل أي أمني محترف مع الجرائم، وبشكل أخص كيف يتعامل مع أية حالة خاصة مستحدثة في أسلوبها، أو تتداخل فيها الاعتبارات السياسية مع الأمن ومتطلباته.
أزعم أن رجل أمن الدولة القوي الجالس على مقعد وزير الداخلية يحتاج إلى مراجعة وترتيب أوراقه، ويحتاج إلى تطوير وتدريب وتكوين رحاله، ودوائر مساعديه، ربما بوجوه جديدة، والأهم بخبراتٍ جديدة متخصصة تتناسب مع ما سيواجهه من تحديات أتوقع أن تتزايد في الفترة القادمة مع ارتفاع معدلات العنف لأسباب داخلية وخارجية معروفة.
ضمن ندوة عن الجوانب النفسية والسياسية والاجتماعية للأمن ألقى قيادي من بوليس لندن محاضرة عن استراتيجية وفلسفة وخطة أجهزتهم في مواجهة وتصنيف وإدارة تعاملهم مع العنف وجذوره، وكذلك خريطة الأطياف الإسلامية الموجودة في بريطانيا –وأتوقع أو ربما أرجو– أن لدى أجهزتنا شيئا من هذا الرشد والتمييز والتخطيط، ولكن هذا لا ينعكس أبدا في الأداء الذي ما زال يتم دون حسابات أو خشية من الملاحقة أو المراجعة أو التدقيق أو الحساب على النقيض، ويفاقم من الكارثة أن الداخلية غالبا ما تلعب أدوارا لم يتدرب عليها رجالها لأدائها، فتكون النتائج كما نرى بغض النظر عن النوايا أو التصريحات البراقة، والحل مبدئيا يكمن في حتمية تطوير التفكير والتكوين والتخطيط والتنفيذ الأمني وفق خطة عاجلة، وفي توزيع الأدوار فلا يقوم البوليس بأدوار السياسة، والقضاء، والعمل الاجتماعي، والعون النفسي، والأمن القومي!!!
ولابد من تضافر حقيقي وفعال، وتعاون إيجابي ومستمر بين المهتمين والمختصين من القطاعات والمؤسسات الرسمية والشعبية، لأنني أعتقد أن التحديات الأمنية ستزداد بشدة، ولأنني أعتقد أن تحقيق الأمن والاستقرار مهمة أخطر وأثقل من أن تترك للبوليس وحده .
وكل عام وأنتم بخير.
*نشر في صفحة نفسيتنا بجريدة الدستور القاهرية عدد الأربعاء 18/1/2006
**اقرأ أيضا:
على باب الله: مصر في كلمتين/ على باب الله رسل النور