هذا ما سمعته عندما قادني حظي العثر يوم السبت الماضي لمشاهدة نشرة التاسعة على القناة الأولى بالتلفزيون المصري وهو شيء لم أكن أحرص عليه حتى عندما كنت أقرأها منعاً لحرق الدم....فناهيكم عن الأخطاء الفنية المتكررة كأن يتحدث مسئول عبر التليفون ولا يتداركون كتابة اسمه إلى الأسئلة التي لا تشفي غليل المشاهد لأن كل محرر ومذيع تربى على الممنوعات فأصبحت العقول مبرمجة على المنع والإقصاء...وتلك أشياء معروفة لكل مشاهد ولكن ما دفعني للكتابة هو اللقاء الذي أجراه رجل ببذلة داخل المستشفى مع الطفل محمد الناجي من الغرق في حادثة العبارة السلام 98والذي فقد أمه وأباه وأخته...
المشهد كالتالي:أعلنت المذيعة قبل بث اللقاء أن ذوي الطفل محمد قد توصلوا إليه ثم فوجئت بالحوار الكارثة.
مراسل التلفزيون يمسك بالميكروفون ومحقق يسأل الطفل محمد "هل تعرف بابا وماما فين دلوقتي؟" ومحمد يجيب بلسان ثقيل "في البحر" ويزيد المحقق "في البحر فين؟" "تحت خالص" فيكرر المحقق "يعني إنت تعرف هما فين دلوقتي؟ "ثم يستطرد "لأ، إن شاء الله تطمئن عليهم وتشوفهم قريبا".
إنه خرق أكيد لأخلاقيات المهنة من جانب من سمح بإذاعة مثل هذا الحوار وفقدان لأدنى معاني الرحمة والإنسانية ممن تفوهت شفتاه بهذا الجحيم بغية الظهور على شاشات التلفزيون والشهرة الفضيحة وتتوالى الأخطاء المهنية فنرى في نهاية التقرير وجه محمد وهم يرفعونه من على السرير وصوت المراسل يناشد أهله بالتعرف عليه.
ويتكرر اللقاء مع الطفل محمد داخل الاستوديو بعدها بأسبوع وتطلب منه المذيعة وصف الحدث ثم تتراجع أمام لعثمته...وأحول المحطة رأفة بقلبي الذي ينفطر على هذا الطفل الذي أصبح سلعة رائجة يتكسب منها الإعلاميون بلا رحمة.
في بلد غير بلدنا كان يجب محاكمة هؤلاء غير الشرفاء الذين ينحدرون بنا إلى أسفل السافلين.وكان زمان الآن محمد بين يدي طبيبة نفسية متخصصة في مداواة آلام الفقد. فمحمد بعد تجربته المُرة يعاني من تلقاء نفسه من صور التجربة المأساة والكوابيس والجزع من الموت ويجب أن نعرف أن تلك الأعراض لا تختفي بمرور الوقت بل على العكس تتزايد وتتبلور أكثر.
فهل من صوت مسئول ينضم إلى صوتي لمنع هذه الكوارث اللا إنسانية.
اقرأ أيضاً:
خارج التصنيف / مخلصشي..لسه