يبدو أن هناك مدرسة تفكير، وحالة شعور، ونظام إدراك كامن لدينا نحن العرب يمكن تسميته: فساد الزمان !!!
وبموجب "فساد الزمان" فإننا نعيش في أسوأ العصور قاطبة حيث الانحلال الأخلاقي، والانحطاط الفكري والسلوكي، والانحسار الإبداعي والعملي لحضارتنا وثقافتنا ولغتنا وأحوالنا!!
وتكمل نظرية فساد الزمان لتصل بنا إلى أنه لم يعد بالإمكان أفضل مما كان، وأنه بحسب كل إنسان أن ينقذ نفسه أو أولاده كمان بالكثير !! ولأن العيب في الزمان، و"عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان "، فإنه لا عمل ولا أمل، ودمتم غير سالمين !! ويا أمتي نامي هنية، فالنوم أفضل للقضية !!!
وأصحاب هذه النظرية أو أتباعها ليس لهم شكل معين، ولا لون محدد، ولا أيدلوجية بعينها، لكنني أستطيع تمييزهم مع أول فرصة شجن أو إثارة ألم أو دفعة حزن إذ تفاجئك دفقات هائلة أكبر بكثير من حجم المؤثر أو الدافع أو الفعل المؤدي لرد الفعل المتضخم، وعندها أفهم أن السهام قد أصابت بئرا عميقا لا ينضب، ونبعا متجددا للكدر يصب فلا يشبع ولا ينفذ !!
هل أجازف إذا قلت أنهم أغلبية في ثقافتنا ومجتمعاتنا؟!! ليس لدي أرقام ولا إحصائيات، عندي صدمات واندهاشات، وعندي نظرية ومنهاج أحاول أن أسير عليه، ولا أرى طبقا لما عندي أننا نعيش في أزهى عصر، أو أجمل وقت بفضل من أحد أو شيء، ولكنني أرى أن أي واقع يحمل الفرص والتهديدات، الأسئلة والتحديات، المشاكل والإمكانيات، وأن الجمال والتعبير والنهضة والحياة السعيدة الطيبة ليست سوى أشياء يصنعها الإنسان، ويعينه الله كما يعين من يأخذ بأسباب ليصل إلى نتائج .
وحين نأخذ بأسباب التخلف أو الكآبة أو الانحطاط نصل لها طبعا، ولو قررنا أن هناك قمامة أفكار وأغاني وتراكيب ذهنية وأوضاع سياسية واجتماعية وثقافية، وأن هذه القمامة مكانها المزبلة، وليس عقولنا وبيوتنا وأقطارنا؟!! إذا قررنا استعادة "عبد الحليم" – واليوم ذكرى وفاته– واستعادة عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان أو غيرهم كعلامات على طريق فن مختلف له معنى وله أثر إيجابي أكثر مما ينتجه بعضنا الآن مثلا. لو قررنا هذا ستختلف حياتنا حتما لو نفذنا مت قررناه، ومن حقنا إنتاج أفضل.
مساء الجمعة كنت أستمع إلى "صفوان بهلوان" في حفل غنى فيه لمحمد عبد الوهاب عن السفر وعن الربيع وعن الأم وعن الحب، ولكن بكلام آخر له معنى آخر، وينشأ دماغا أخرى غير ما أره فوق الأكتاف الآن، ومثل ذلك يقال في العلم والأدب، والطب والفلك، والتاريخ والعمارة.
وأمس كنت أحضر درسا لأصول الفقه، وتدمع عيني حزنا على أغلب أبناء أمتي الذين يظنون أنهم يعرفون دينهم!! والمرء حيث يضع نفسه.
** اقرأ أيضا:
على باب الله في زمن الموبايل 25 /3/ على باب الله الثقافة والسياسة