أعادتني كلمات المخرج التونسي/ الفرنسي "ناصر خمير" عن الثقافة والسياسة إلى سؤال شغلني لسنوات، ويبدو أني انتهيت منه حسما له منذ ما يزيد على عقد، والقصة عندي بدأت بالدخول إلى معترك العمل العام عبر اتحاد الطلبة، وعبر النشاط الطلابي، حين وجدت نفسي دون مقدمات معقولة أو كافية رئيسا لاتحاد طلاب أكبر جامعة مدنية في مصر ربما في العالم العربي – على الأقل من ناحية عدد الطلاب – وهي جامعة القاهرة .
كانت السياسة والعمل السياسي الحزبي هو الاستمرار الطبيعي للنشاط الطلابي، وكان الطريق ممهدا ومفتوحا، وكان أستاذي الراحل عادل حسين رحمه الله يقف على رأس أهم أحزاب المعارضة وقتذاك، ودعاني فعملت بالسياسة فترة ثم تجافينا، وطال الجفاء، ثم وقع الطلاق البائن لأنني كنت أو أصبحت مغرما بمن هي أكثر نضارة وشبابا وتجددا، ورحابة أفق، واتساع مجال .
أعادتني كلمات"ناصر" الذي يزور القاهرة هذه الأيام محققا بذلك حلما ظل يراودني بأن أقابل صاحب البحث عن طوق الحمامة المعقود وهو فيلمه المنتج في مطلع التسعينات، والذي شاهدته دون ملل ثلاث مرات تقريبا، لا أذكر ثلاثة أم أربعة!!!!
"ناصر" يصنع أفلاما تستحق أن تكون نموذجا للتدريس، ووجبة للفن الجميل المبدع بحق، ولم أتعجب من رأيه أن ما يجمع العرب فعلا هو الثقافة والفنون والآداب، وذكر عن نشأته على كتابات عبد الرحمن الشرقاوي، وتوفيق الحكيم، وغيرها، وكيف أن محاولة الرئيس "جمال عبد الناصر" توحيد العرب سياسيا ضربت مشروع توحيدهم أو تقاربهم ثقافيا، وكيف أن مصر منغلقة ومهتمة بنفسها فقط دون العرب!!! وهو كلام لا يخلو من الصواب، ولكنه ينطوي على تعميم كبير أيضا، وبعض من ظلم فادح.
أعادتني كلمات "ناصر" إلى معشوقتي ومشروعي حين حسمت اختياري لصالح الثقافة وانتصرت لها، وتوجهت إليها أنهل منها وأثقف نفسي، وأشير إليها، وأحاول نشرها لأنني بدأت أرى تدريجيا أن الإنسان لا يكون إنسانا دون فنون وآداب وتذوق الجمال في الأشكال والأصوات والألحان والألوان.
وأصبحت مقتنعا تماما أن الثقافة والفنون هي السبيل الأهم –ربما لإصلاح ما أفسدته التربية المعتلة، والإعلام الأخرق، والتعليم المشوه في اغلب أقطارنا ومجتمعاتنا العربية !!!
وأصبحت مقتنعا أن الإنسان عندنا صار محتاجا إلى عملية "أنسنة" يستفيد فيه من معطيات وتقنيات وروافد وإمكانيات هائلة تمده بها الثقافة والفنون ليستعيد إنسانيته الضائعة وسط ضغوط مكن الداخل والخارج، ولذلك أتعامل مع الثقافة والفنون بجدية كاملة، وليس كمجرد طرف أو تقضية وقت فراغ أو ترويح.
تكبر سني، وتزداد تجاربي، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني دائما، وعندي الكثير مما أريد أن أنقله مما علمني ربي، وهزني أن تذكرت هذه المعاني جميعا في سجدة بالأمس فبكيت بحرقة من يرى الانهيار حوله في كل بقعة، ومن يرى قومه كمثل الحمار يحمل أسفارا، فلا نحن فهمنا القرآن، ولا نحن نتعامل معه بجدية لنفهمه، ولا نحن فتحنا أعيننا على كتاب الله المنشور في الكون لنرى الآيات والعلامات والإشارات والصور والجمال!!
دعوت وأدعو كما سبقني إلى ذلك الدكتور يوسف إدريس إلى أهمية الثقافة والتثقيف، وأرى أنها – أي الثقافة معشوقتي- سقطت ضحية المؤسسات الرسمية والجماعات الدينية والأذواق المنحطة وما أكثرها، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
1 –4 -2006
** اقرأ أيضا:
حليم وصفوان وفساد الزمان/ على باب الله: في انتظار خديجة