مقعد في الدرجة الأولى رحلة العودة
هذه المرة كان مقعدي في الطائرة في الجزء المخصص لفئة رجال الأعمال ولم أستشعر فرقا في الحقيقة بينه وبين مقعد الدرجة الأولى على الخطوط الجوية القطرية، لكن المضيفات والمضيفين كانوا من العرب المصريين يتحدثون العربية مع العرب، وغيرها مع غيرهم، لم أجد فرقا يذكر في مستوى الخدمة، لم يقدموا لنا مطوية بقائمة الأطعمة لنختار منها لكن الطعام كان مشابها لما أكلته بسم الله في ضيافة الخطوط الجوية القطرية.
وكانت جلستي هذه المرة إلى جوار مهندس مصري يعمل في شركة كونوكوفيليبس ConocoPhillips الأمريكية نائبا لرئيس قطاع تطوير الأعمال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كنت قد رأيته بالطبع في صالة الانتظار، وتحادثنا طويلا.... طويلا فحكى هو لي كثيرا عن كيف عُيِّن في سنة 1967 -سنة النكسة- معيدا في كلية الهندسة، وكيف بقي ضابطا في الجيش بعد ذلك منذ سنة النكسة وحتى أوائل سنة 1973 حين صرح له بالسفر إلى بريطانيا -حسبما أذكر الآن- ليحصل على درجة علمية في الهندسة وقص عليَّ كيف أنه استدعي قبل حرب أكتوبر فما كان منه إلا أن ذهب إلى مسئول بالقنصلية المصرية وحكى له كيف أنه بقي معطلا ست سنوات عن مواصلة دراسته وكيف أن من العجيب أن يستدعى الآن وهكذا اتفق معه القنصل قائلا:
اذهب واستكمل دراستك هنا وأنا لم أرك وسنرد بأننا لم نستدل عليك، وهكذا شق طريقه حتى أصبح الآن واحدا من كبار موظفي تلك الشركة الأمريكية، وأما ما يؤلمه بعد كل ذلك فكان شعورٌ بأنه تخلى عن واجبه تجاه مصر، صحيح أن أحدا لم يكن يتوقع أيام السادات الأولى لا حربا ولا انتصارا لكنه لا ينسى أنه قصر في واجبه تجاه بلده، مشكلته الأخرى هي أولاده الذين لا يتحدثون العربية ولا يرتبطون بثقافتهم وحين حاول ربطهم بمصر وأهلهم لم يتحمل الأولاد الحياة في مصر أكثر من أسبوع فضلا عن ما لقوه من انحطاط أخلاق المصريين.
وحين عرفته بمجانين شعرت بشغف شديد لديه ليعرف أكثر وطلب مني أن أشرح له كيف يتحرك داخل الموقع ليقرأ عن كذا وعن كذا... وكانت المفاجأة مذهلة بالنسبة له حين سمع عن مدى الانحلال الذي وصلت إليه مجتمعاتنا العربية ولم يكن يتخيل أن الريف المصري تحديدا يمكن أن يحدث فيه ما هو حادث لكنه بعد قليل من التحليل للتغيرات والأسباب اقتنع وأحس بأن عليه أن يفعل شيئا، وأننا في مجانين نموذج من بين نماذج ما يجب أن يفعله المهتمون بأمر هذه الأمة، وفي نفس الوقت طلب مني أن أبذل أنا ومستشارو مجانين ما نستطيع من جهد لكي يكونَ هناك نسخة بالإنجليزية لمجانين قلت له والله إننا لنرى ذلك واجبا ولكن ادع الله أن يبارك لنا في الجهد والوقت.
وعلى غير انتظار فاجأنا صوت قائد الطائرة أننا على وشك الهبوط في مطار القاهرة نظرت إلى الساعة فإذا الرحلة لم تكمل ثلاث ساعات، يا سلام عليك يا مصر! وقلت للمهندس بجواري هذا غير معقول لقد استمرت رحلة الذهاب مع طيار الخطوط القطرية المستورد الذي يحدثنا بلغة أصحاب النعل الأبيض أربعة ساعات فكيف هذا؟ فقال لي معروف حتى في أمريكا حيث أعيش أن الطيار المصري من أفضل الطيارين! قلت له يبدو أنه هو الشيء الوحيد الجميل الباقي في مصر فضحكنا كلانا وبدأنا ربط الأحزمة والاستعداد للهبوط.
وكان مطار القاهرة كعادته مزدحما فيه من الضوضاء شيء كثير، ولأنني كنت أحمل كل حقائبي معي أي حقيبتي ومعطفي المغلف، فلم أحتج لأكثر من عبور نقطة التفتيش على الجوازات، وبعدها خرجت لأجد سائقي ينتظرني في المطار الجديد بينما أنا في المطار القديم لأن طائرات مصر للطيران ما تزال تقلع وتهبط من المطار القديم، المهم أنني انتظرته وحملتني السيارة إلى الزقازيق أو بالأحرى إلى شاشة متابعة مجانين، وكانت رحلة رائعة إلى قطر، وليس لدي غير أيام لأسافر إلى المنامة فاسألوا الله لنا التوفيق والسلامة.
اقرأ أيضا:
مقعد في الدرجة الأولي رحلة العودة / ست ليالٍ في المنامة عشرون دولارا