خمس ليالٍ في المنامة عشرون دولارا
صعدت إلى غرفتي بالفندق رقم 207، بعد أن سألت عن المؤتمر الذي جئت لحضوره ولم أجد أي معلومات لدى موظفي استقبال الفندق، فقررت الصبر وعدم الانزعاج، وفي الغرفة توضأت وجمعت المغرب والعشاء ثم نزلت مرة أخرى لموظفي الاستقبال لأسأل عن أقرب مكان لدخول الإنترنت علني أتواصل مع منظمي المؤتمر، وأخبرني موظف الاستقبال بأن لديهم مركزا لرجال الأعمال فقلت له من فضلك أريد مكانا بسعر أرخص فقال لي أليس معك كومبيوتر محمول يمكنك أن تدخل من أي مكان في الفندق وهذه خدمة مجانية، بواسطتها يمكنك النفاذ إلى الإنترنت عن طريق تقنية الواي فاي(Wi-Fi Wireless Fidelity) عندها كدت أرقص فرحا إذن لن أبتعد كثيرا عن مجانين ألله ما أجمل البحرين.
مساء ذلك اليوم للأسف لم أتمكن من الدخول لأسباب لم يكن واضحا إن كانت تتعلق بإعدادات جهازي أو بمشكلة في شبكة الإنترنت اللاسلكلية Wireless Internet Connection، أحبطني ذلك بعض الشيء لكنني تلهيت عنه بالخروج إلى الشارع متناسيا ما نصحني به ذلك السائق الذي ربما كان يخيفني لأطلب منه مرافقتي في سفرتي هذه كما يفعل سائقو التاكسي المصريين مع العرب والأجانب، المهم أنني خرجت للعشاء ولم أجد غير محلات غربية قلبا وقالبا... رضينا والحمد لله، لكن ما لفت نظري هو الزحام الكثير ماشون وراكبون، وكلام معظمه بالإنجليزية ما علينا حتى العرب يتحدثون بالإنجليزية في هذا البلد، هذا ما رأيته وسمعته في المحال والمطاعم، وكانت أصوات الغناء والموسيقى تنبعث من كل مكان الحقيقة أن بين كل فندقين فندقا في هذا المكان من البلد ولا أدري أين هي البيوت التي يعيش فيها أهلنا أصحاب هذا البلد، كل المحال عليها أسماء غربية وأحيانا تكتب بحروف عربية ربما من أجل الجهلة ممن لا يعرفون الإنجليزية أو ذرا للرماد في عيون أمثالي من المتخلفين الذين يتمسكون بأنهم عرب!، وراحت تتردد في أذني أغنية عبد الحليم حافظ -يرحمه الله- ذكريات وهو يقول:
حتى أسماء الشوارع والمصانع كلها قدام عيني أجنبيه... ذكريات...... ذكريات..
والتقيت رد السؤال: الإحتلال الإحتلال.... كله ظلام... إلخ، دمعت عيناي، وحمدت الله ألا أحد يعرفني هنا وربما لا أحد يهتم بتفرس وجهي.
المهم رجعت إلى الفندق ومعي عشائي الخفيف، توضأت وأكلت وحمدت الله، وبعدها قررت الاغتسال من تراب مصر وجلست أتابع الجزيرة الإخبارية، ثم جهزت نفسي للنوم على أن أحل مشكلة الإنترنت في الصباح.
وفي السابعة والنصف بتوقيت البحرين كنت قاعدا في سريري، توضأت وصليت وحملت جهاز الكومبيوتر ونزلت إلى موظف الاستقبال، كان هنديا هذه المرة ولكنه اتصل بالمسئول عن الخدمة اللاسلكية واتضح أن علي أن أزيل بعض الإعدادات من جهازي مثل الأي بي والدي إن إس، وبالفعل لمعت مجانين على الشاشة الحمد لله، تواصلت مع منظمي المؤتمر طبعا من طرف واحد بالبريد الإليكتروني، وعدت غرفتي لأتوضأ للإفطار وبعدها جلست أتصفح مجانين وأكتب لها، وأراجع نص المحاضرة التي سألقيها لا أدري متى في المؤتمر المرتقب والذي يبدأ فعليا غدا، وفي الساعة الثانية عشرة إلا الربع كنت قد توضأت لصلاة الجمعة ونزلت فسألت عن مسجد وقلت للهندي MASJID فأجابني هناك MOSQUE في الخارج وانشغلت بتصحيح التسمية لأنني عرفت أن كلمة MOSQUE تعني بيت البعوض، وأن علينا كمسلمين جميعا ألا نستخدمها، المهم أنني نسيت أن أسأل من أين أتجه، وخرجت وفي ظني أنني لابد سأسمع صوت الخطبة أو سأرى المئذنة،.....
كانت الشمس حارقة وأنا أرتدي حلة كاملة، ولا أحد يسير على قدميه غير عمال هنا وهناك ولفت نظري أن لا أحد يبدو عليه أنه متجه للصلاة وما زلت أسأل ويوجهني هذا إلى طريق أقطعه وسط آثار أعمال البناء ولم تكف عيني عن البحث عن مئذنة ولا كفت أذني عن محاولة التقاط صوت القرآن أو صوت خطبة الجمعة، شيء غريب أتدرون ما هو أقولها والدمع في عيني الشيء الغريب هو ما كنت أسأل عنه هذا ما كان يظهر في عيون من أسأل....
وأخذتني الذكريات لأتذكر طرفا من حديث طال بيني وبين حبيبي في الله أحمد عبد الله، عندما كان يقول أن المعمار الحديث يقف ضد مشروعنا، وحى لا تفهموا خطأ فالمقصود هو أن محاولتنا استعادة دور الجماعة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي يقف ضده المعمار المقام على الطريقة الغربية وهذا صحيح، لكن ما أنا فيه أمرٌ آخر إنني رغم البلل الذي ملأ ملابسي الداخلية من شدة العرق كنت أسير بسرعة من يجري.... صعبت علي نفسي وصعبت علي أمتي... يا الله أليست هذه بلاد مسلمين أين الناس الذين هم في طريقهم للصلاة؟
كل من قابلت من العرب كان يشير في اتجاه ولا يبدو عليه أنه صلى أو سيصلي، وكل من سألت من العمال الهنود كان يشير إلى اتجاه، وأخيرا أخيرا قابلت اثنين يسيران معا توسمت أنهما مصريان وسألت بالعربية أريد أن أصلي الجمعة يا أخي فأجابني –وقد عرفت أنه شامي- هل ترى ذلك الجدار الأبيض قلت نعم قال اذهب بالقرب منه وسر موازيا له وعند آخره اتجه يمينا وهناك ستجد المسجد الوحيد هنا.... وبالفعل أكملت عدوي وأنا حزين أشتكي لله حالتي وحال أمتي، وحين رأيت المئذنة الأولى كبرت ولكن لم أسمع أي صوت يدل على الصلاة، وحين وصلت وجدت أنها وزارة الشئون الإسلامية، وأمامها اثنان من رجال الشرطة سألتهم عن مسجد للصلاة فأشاروا إلى مئذنة أخرى فاتجهت نحوها فإذا هي ما يبدو أنه مزارٌ سياحي اسمه مسجد أحمد الفاتح..... مكان فخم فعلا ولكن لا يوجد فيه أحد..... قرأت لوحة كتب عليها أن الجولات السياحية يجب أن تتوقف أثناء الصلاة الحمد لله أخيرا هو مسجد للصلاة، ولكن أين المدخل ورأيت سهما يشير إلى مكان الاستعلامات تخيلوا كنت بحاجة للاستعلام –همٌ يضحك همٌ يبكي- ودخلت غرفة الاستعلامات فكانت شاغرة....
وعند الباب رأيت رجل أمن بزي عسكري فسألته صلاة الجمعة أين من فضلك فنظر الرجل إلى العرق المتصبب من وجهي وقال لي أين توضأت فقلت له أنا على وضوء وهذا عرق أكرمك الله فقال لي لقد صلى الناس قلت له الساعة الآن الواحدة والربع –أي أنني سرت مسافة تزيد على الساعة- فقال لي نعم هم أنهوا الصلاة في الثانية عشرة والنصف ادخل هذا هو المسجد ولكن ضع حذاءك هنا، شكرته ودخلت المسجد.... الله كم هو مسجد فسيح ولكن لم يكن فيه غير واحد بعيد يقرأ كتاب الله وأنا...
استغفرت ربي ولمت نفسي أن لم أخرج قبل ذلك الوقت الذي خرجت فيه.... لكنني كنت أحسبها بما يتوافق مع وقت صلاتنا في مصر فمعنى كلام هذا الرجل أنهم أنهوا صلاة الجمعة في الحادية عشرة والنصف بتوقيت مصر، الحمد لله على أي حال صليت الظهر والعصر قصرا جمع تقديم، وخرجت من المسجد ولم يكن باستطاعتي أن أتجول لكنني في طريقي للخروج رأيت وزارة الشئون الإسلامية مرة أخرى وأمام بابها كان مركزٌ أمريكي للتعليم، ما علينا كان علي أن أعود من الطريق الذي جئت منه، ولم أكن أحسن تذكره ومن الغريب أن كل من سألتهم في رحلة العودة كانوا يعرفون البست ويسترن إليت! لابد إذن من إعادة التفكير والتذكير والتنبيه فنحن والله نضيع على أرضنا، وأسأل الله أن لا تكون منطقة الجُفير هذه ممثلة للبحرين، يا رب خيبْ ظني، وأمامنا أيام أربعة ما تزال.
ويتبع>>>>> : خمس ليالٍ في المنامة المآذن كثيرة
اقرأ أيضا:
مقعد في الدرجة الأولى مصر للطيران / مدونات مجانين (5): إجابة السؤال!