حلمت– وأنا أحلم بالمدن– بأنني أسير في شوارعها على خطى من تجمعوا مطالبين بالحرية في مواجهة الدبابات السوفيتية أيام ربيع "براغ" في عام1968, حلمت بأنني أنظر إلى القلاع والقصور والكنائس والبشر في مدينة هي قلب أوربا, ومن أجمل الأماكن فيها بحيث تستقطب سنويا عددا من السياح هو أكبر من عدد سكانها!!
حلمت بأنني أزور بلاد "ميلان كونديرا" و"فاتسلاف هافيل", حيث أصبح الشاعر الثائر, والأرستقراطي الفنان المعارض للشيوعية والخوف رئيسا للجمهورية!!
حلمت وحلمت وكنت قد زرت كارلو فيفاري المدينة الثانية في تشيكيا أو جمهورية التشيك من سنوات, ونزلت"ترانزيت"في مطار"براغ" ذات مرة دون الدخول إليها, وهذه المرة دخلت.
التاريخ يتنفس ويتجسد في معمار المباني, المدينة خضراء, وغير مزدحمة الناس تتكلم لغة خاصة بالبلد, ولذالك فهي ملاذ جيد, ومريح وفرصة لمن يريد أن يتأقلم ويندمج, وهم جنسيات شتى, أقلهم عرب!!
صليت الجمعة في مسجد هو شقة في بناية, وجدت كتيبا عن الجهاد باللغة التشكية, داهمني فضول جارف لمعرفة ما هو مفهوم الجهاد الذي يتداوله الناس هنا؟! أقصد المسلمون.
كيف يمكن أن نتواصل مع الغربيين في مثل هذه البلدان, ونحن لا نفقه شيئا- غالبا- عن العمارة أو الثقافة أو الفنون في تاريخنا الإسلامي بتنويعاته, أو في تاريخهم!! ما زلنا في المهجر نقدم الإسلام بوصفه عقيدة وعبادات في سياق وبيئة بينها وبين الدين بمعناه المسيحي التقليدي عقود من التنافر والإنكار والإهمال المتراكم فوق عقدة تاريخية لدى الناس في علاقة الدين بالكنيسة, وعلاقة الكنيسة بالدولة والناس, وعلاقة كل هذا بالحياة!!
تقريبا لا أحد منا يفهم هذه المشكلات الذهنية والإدراكية, وكذلك لا أحد منا يجتهد في تغيير الإدراك الاستشراقي الحاكم للفهم الغربي لنا!! مازالوا يرون أننا نعيش في العصور الوسطى حيث الحريم حول الرجل مثل السلطان والجواري, وحيث التفكير والممارسة للعلاقات والمعاملات ما زالت بعيدة عن العالم الحديث!! وغيابنا عن دوائر الاهتمام هناك يساهم في تكريس هذه النظرة!!
لاحت فرصة ذهبية أمامي لمشاهدة أوبرا تشكيلية وأنا أحب فن الأوبرا, ثم اكتشفت أن الأوبرا التي شاهدتها مشهورة على مستوى أوروبا, "Rusalka" وتحكي قصة أسطورية دفعتني للتأمل كثيرا في نظرتهم للأمور, وزادت من حسرتي لأنهم رفقتي من الأصدقاء العرب لم يهتموا بمشاهدة شيء من هذا, فقط ذهبوا للتسوق فاشتروا بضاعة "صينية" من محلات"براغ" وكادوا يتهكمون على ذهابي لمشاهدة العرض الأوبرالي, لا أقول أن مشاهدته هي فرض عين أو حتى فرض كفاية, ولكنني أتساءل كيف نخاطب العالم, ونحن لا نعرف لغته ولا اهتماماته؟؟ ثم نشكو من أنه يجهلنا ويضغط علينا ويعادينا!! لكن هذه أوجاع مزمنة لم أسمح لها بإفساد متعة"براغ" والحمد لله...
** اقرأ أيضا:
على باب الله: بيروت، خيالات ونفحات/ على باب الله: وائل خليل 10/5/2006