يوم الأربعاء القادم يلتقي "المدونون المصريون" في نقابة الصحفيين، اللقاء حفل غنائي لم تتضح معالم برنامجه، لكن فكرة التدوين والمدونين تهمني كثيرا، وكنت قد اقترحت على أخي وزميلي د.وائل أن يفتح مساحة للتدوين على مجانين، وبدأتها بنفسي في مدوناتي المعلنة تحت اسم "على باب الله" وكتب غيري، وأحسب أنه من أكثر الأبواب جاذبية على موقعنا.
يبدو أن الأغلبية لم تفهم فكرة التدوين بعد، فمن الناس من يعترض أو يمتعض حيث يكتب أحدهم عن مشاعره أو وقائع حياته بصراحة ومباشرة أو بالأحرى بمستوى صراحة ومباشرة أعلى من المعتاد، رغم أن التدوين في أصله هو كسر للكتابة السطحية الزجاجية الملساء!!
في التدوين محاولة للاقتراب أكثر من تضاريس الإنسان، ونحن لم نعتد على هذا، بل على تزويق الكلام، واجتناب المشكلات!! كتبت تقول لي عقب نشر مدونتي القديمة جدا أنهار سرية.
لماذا لا تقضي وقتا أطول مع أولادك؟! وكأنها لم تقرأ في مواضع أخرى: لماذا يحدث هذا!! الناس لا تحتمل بعض الحيرة والقلق والتركيب أو التعقيد في الحياة، رغم أن الحياة هكذا!!
حضرت يوم الخميس ندوة أو لنقل نهايات لقاء انعقد عن "فرويد" بمناسبة مرور مائة وخمسين عاما على مولده، وبعد اللقاء دخلت في نقاش ثري جدا مع نائب رئيس البعثة الدبلوماسية النمساوية التي أقامت اللقاء بالتعاون مع القسم الثقافي بالسفارة النمساوية.
انطلقنا من "فرويد" ودوره في التاريخ، سألني: كيف ينظر المصريون اليوم إليه؟! لم تكن عندي إجابة دقيقة فقلت له: من يعرفه جيدا يهتم به وبأعماله، ومن لا يعرفه يعتقد أنه ذلك الرجل الذي حاول تفسير كل شيء تفسيرا جنسيا، ومن لا يعرفه مطلقا كثيرون.
في تحطيم "فرويد" لتقاليد المجتمع الأوربي الذي عاش فيه تزامنت أفكاره مع رغبة هذه المجتمعات في التحرر من القديم كله: من سلطان الكنيسة الطاغي، ومن سلطة التقاليد التي رأوها شكلية ومنافقة، ومن الخرافات والأساطير حول الإنسان ونفسه وعلاقاته إلى رؤية أكثر استطلاعا وعلمية ومادية، وهذا مسار له وعليه.
الصراع كان بين القديم والجديد، بين التقاليد والثورة عليها، بين الأفكار والمفاهيم المطلقة الثابتة الدوجمائية، وبين تصورات نسبية صادمة ومتحدية، والمشكلة أن البعض لا يرى كل هذا، فقط أي صراع هو بين خير وشر، أو صواب وخطأ، أو كفر وإيمان، رغم أن الحياة أوسع وأعقد من هذا بكثير!!
ومشكلة آخرين أنهم يريدون إعادة تمثيل تلك المشاهد القديمة أي محاكاتها وتقليدها، ولكن بثياب عربية، وعلى مسارحنا المحلية!! وهذا فاشل مثل ذاك في تصوري، فالسياق الغربي تاريخا وواقعا مختلف عنا، ولكن هناك بعض النقاط المشتركة هنا وهناك في بعض المضامين والجوانب.
حدثتني على الهاتف أمس فتاة من ملايين في بلادي: وظيفة جيدة، ونجاح شخصي ومهني واجتماعي معقول، ولا زواج وقد بلغت الثلاثين!! تقف بين مفترقات الطرق حائرة لا تعرف كيف تسير ولا في أي اتجاه!! مطلوب منها أن تتزوج فمثلا تقبل أي رجل، ولن تسلم من اللوم إذا فشلت معه!! ومرفوض أن تتزوج رجلا متزوجا حتى لا يعتبرها المجتمع خرابة بيوت!!
وفي مجتمع محافظ، أو متعثرة مسألة القيم فيه بين المحافظة والانحلال، في مجتمع كهذا تسود الحيرة، والتخبط سيد الموقف، والضغوط تتزايد، والناس لا تريد أن تواجه نفسها ومشاكلها بصراحة، والتدوين فرصة لبداية مختلفة، لاختراق بسيط نتصارح فيه، ونحاول التفكير بصوت عالي، والتحرر من تقاليد الهمس والمداراة، وألف قيد وغلالة وقناع، والقرآن يعاتب رسول الله علنا على أخطاء ‘إنسانية وقعت منه ليعلمنا أن مستوى من الصراحة لا يخل بالقدوة ولا الأخلاق!!
وعندي أنه لا أمل لنا في نهضة أو انعتاق إلا بهدم الكثير مما يعتقد أهلنا أنه ثوابت، وهو ليس كذالك، بل محض تقاليد أو أساطير، ولابد أن تكون لدينا الجرأة والحكمة لنهدم ما ينبغي هدمه، ونحفظ ما ينبغي حفظه، والتميز بينهما صعب ودقيق أحيانا، ربما يكون إطلاق الحرية للتعبير في التدوين مقدمة لإطلاق حرية التفكير المسجون منذ عقود وراء قضبان وجدران، حي على التعبير الحر والتفكير المجتهد!
اقرأ أيضا:
على باب الله يوم الخامس من يونيو/ على باب الله: معركة الخيال