أما آن لكم أن تيأسوا من استسلامنا؟!
أربعة أسابيع مرت على بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان وإسرائيل ومن ورائها أمريكا يعملان على إطالة أمد هذه الحرب الوحشيّة، التي لا يمكن تعريفها إلا بأنّها جنون خارج على كلّ المقاييس الإنسانيّة والأخلاقية. إنهم يمعنون في تدمير كل شيء، البيوت والمباني والمؤسسات، وحتّى المساجد والمستشفيات، حتّى أنّهم يبيدون أحياء بكاملها. إنّه جنون كامل وانفلات لنزعة الشّرّ والحقد الموجودة لدى الصهاينة وإدارة المحافظين الجدد، مجموعة المعتوهين المتعصبين تعصبًا أعمى، الذين لا يتوانون عن فعل أيّ شيء لتحقيق أهدافهم الإمبريالية السافرة.
لقد دمّروا البيوت على رؤوس أصحابها، دمّروا كلّ ما بنيناه بعد التحرير، القرى والبلدات الجميلة التي كانت فرحة بحريتها، منشية بالأمان الذي نعمت به لستّ سنوات كانت أشبه بالحلم، بنت جبيل التي كانت تحتفل بشهر تسوّقها السنويّ وكانت الزينة تملأ شوارعها، فلم يرق للصهاينة مشهد الجنوبيين الفرحين الذين يعملون بجدّ على بناء وإعمار قراهم وبلداتهم ومدنهم.
كلّ المدن والقرى التي فرحت بالتحرير تنال عقابها الآن.. وعقاب بنت جبيل شديد لأنها هي التي احتضنت مهرجان التحرير الأوّل في 25 أيّار 2000 وفتحت ساحاتها لاستقبال الأمين العامّ لحزب الله وعشرات الآلاف من محبّي المقاومة وجماهيرها. وصور هي الأخرى عوقبت على احتضانها لمهرجان التحرير الأخير هذه السنة الذي كان قد زحف إليه مئات الآلاف من عاشقي المقاومة وسيّدها.
إنّه الثّأر إذًا، ما زال الصهاينة يحملون في نفوسهم الضغينة نتيجة ما لاقوه من ألم وذلّ الاندحار من لبنان. ووجدوا الفرصة سانحة لهم في عدوانٍ ينال تغطية دوليّة وعربيّة(؟!) لا مثيل لها.. كلّ العالم المسمّى "متحضّرًا"كان إلى جانب إسرائيل، وكلّ الأنظمة الخانعة والذيليّة كانت مع إسرائيل.. وكلّ الدّعم الماديّ والعسكريّ والإعلاميّ كان إلى جانب إسرائيل. وأعطي الصهاينة الضوء الأخضر لحرب الإبادة، إبادة المقاومة وجمهورها ومعاقبة كلّ من وقف يومًا إلى جانبها أو شكّل رمزًا من رموزها، سواء من البشر أو الحجر. دكّوا أحياءً كاملة في الضاحية الجنوبيّة، وصبّوا جام حقدهم على حارة حريك وبئر العبد.
قصفوا كلّ الجسور التي تربط أوصال الوطن ببعضها، قصفوا عشرات القرى قصفوا البيوت بيتًا بيتًا.. اختاروا البيوت الجميلة في الجنوب وهدّموها فوق رؤوس أصحابها، لكأنّهم اختاروا أجمل البيوت ليقصفوها وأجمل الأطفال ليقتلوهم.. لكأنّهم من شدّة حقدهم لا يستطيعون رؤية كلّ ما هو مشرق وجميل في وطن المقاومة..
الدّمار الهائل، القتل الجماعي، المجازر الفظيعة، وفوق ذلك التهجير، كلّ ذلك لم يفتّ في عضد المقاومة ولا أوهن من عزيمة جمهورها.. صمود المقاومة أذهلهم، وردّ المقاومة فاجأهم، وصواريخها أقضّت مضاجعهم، وتسببت بخسائر فادحة في صفوفهم، ولاسيّما الجنود منهم. والمقاومة تقول: يقتلون أطفالنا ونقتل جنودهم، المقاومة لا تضيّع البوصلة، هذه المقاومة المجاهدة الشريفة والراقية ذات الأخلاقيّة العالية، هي نقيض كامل لوحشيتهم، لقد هزمتهم المقاومة أخلاقيّا ومعنويَّا قبل أن تهزمهم ميدانيا وعسكريّا، هزمتهم بمنطقها، بحكمة قائدها، بخطابها الإنسانيّ المليء بالعنفوان والصدق في آنٍ معًا.
وأما جماهير المقاومة فحكاية أخرى..لقد أدهشوا العالم بصبرهم وصمودهم وقدرتهم على التحمل.. حوالي المليون شخص اضطروا إلى ترك منازلهم, وفي جميع الأماكن التي التجأوا إليها.
8/8/2006
اقرأ أيضًا:
لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ / هكذا لبنان يمنحنا نصرًا ... لا نستحقُهُ!